الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ.. } الآية هي كقوله:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ } [النور: 2] فيعود فيه ما تقدم بحاله، وقوله: " المُحْصَنَات " فيه وجهان:

أحدهما: أن المراد به النساء فقط، وإنما خَصَّهُنَّ بالذكر لأن قَذْفَهُنَّ أشْنَعُ.

والثاني: أن المراد بهن النساء والرجال، وعلى هذا فيقال: كيف غلَّب المؤنث على المذكر؟

والجواب أنه صفةٌ لشيء محذوف يَعمُّ الرجال والنساء، أي: الأنْفُسَ المحصنات، وهو بعيد أو تقول: ثمَّ معطوف محذوف لفهم المعنى، وللإجماع على أن حُكْمَهُمْ حُكْمهُنَّ أي: والمُحْصَنين.

قوله: { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } العامة على إضافة اسم العدد للمعدود، وقرأ أبو زرعة وعبد الله بن مسلم بالتنوين في العدد، واستَفْصَحَ الناس هذه القراءة حتى تجاوز بعضهم الحد كابن جني ففضّلها على قراءة العامة، قال: لأنَّ المعدودَ متى كان صفةً فالأجود الإتباع دون الإضافة، تقول: " عندي ثلاثةٌ ضاربون " ، ويَضعف " ثلاثةُ ضاربين " وهذا غلط، لأن الصفة التي جَرَتْ مُجْرَى الأسماء تُعْطَى حُكْمَهَا، فَيُضَافُ إليها العددُ، و " شُهَدَاء " من ذلك، فإنه كَثُرَ حذف موصوفه، قال تعالى:مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [النساء: 41]. واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ } [البقرة: 282]، وتقول: عندي ثلاثةُ أعبد، وكل ذلك صفةٌ في الأصل.

ونقل ابن عطية عن سيبويه أنه لا يُجيزُ تنوين العدد إلاّ في شعر.

وليس كما نقله عنه، إنما قال سيبويه ذلك في الأسماء نحو " ثلاثةُ رجالٍ " وأما الصفات ففيها التفصيل المتقدم.

وفي " شُهَدَاءَ " على هذه القراءة ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه تمييزٌ، وهذا فاسد، لأنَّ من ثلاثة إلى عشرة يضاف لمُمَيِّزه ليس إلا، وغير ذلك ضرورة.

الثاني: أنه حالٌ، وهو ضعيف أيضاً لمجيئها من النكرة من غير مخصِّصٍ.

الثالث: أنها مجرورة نعتاً لـ " أربعة " ، ولم تنصرف لألف التأنيث.

فصل

ظاهر الآية لا يدل على الشيء الذي رموا به المحصنات، وذكر الرمي لا يدل على الزنا، إذ قد يرميها بسرقة أو شرب خمر، بل لا بد من قرينة دالة على التعيين.

واتفق العلماء على أن المراد الرمي بالزنا، وفي دلالة الآية عليه وجوه:

الأول: تقدم ذكر الزنا.

الثاني: أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد رميها بعدم العفاف.

الثالث: قوله: { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } يعني: على صحة ما رموا به، وكون الشهود أربعة من شروط الزنا.

الرابع: الإجماع على أنه لا يجب الحد بالرمي بغير الزنا، فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا.

فصل

شروط الإحصان خمسة:

الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والعفة من الزنا، حتى أن من زنا مرة أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته منذ عمره، فقذفه قاذف لا حدّ عليه، فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا، أو أقام القاذف أربعة من الشهود على زناه سقط الحد عن القاذف، لأن الحد وجب للفرية، وقد ثبت صدقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6