الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ }.

لما أمر تعالى بغض الأبصار وحفظ الفروج بيَّن بعده أن الذي أمر به إنما هو فيما لا يحل، ثم ذكر بعد ذلك طريق الحِلّ فقال: { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ }. الأيامى: جمع أيِّم بـ " زنة ": " فَيْعل " ، يقال منه: آم يَئيم كباع يبيع، قال الشاعر:
3829- كُلُّ امْرِئٍ سَتَئيم مِنـ   ـهُ العِرْسُ أَوْ مِنْهَا يَئِيمُ
وقياس جمعه: أَيائِم، كسيِّد وسَيَائِد. و " أَيامى " فيه وجهان:

أظهرهما من كلام سيبويه أنه جمع على " فَعَالَى " غير مقلوب، وكذلك " يَتَامَى ".

وقيل: إن الأصل " أَيَايم " و " يَتَايم " و " يَتِيم " (فقلبا).

والأَيِّم: (من لا زوج له) ذكراً كان أو أنثى. قال النضر بن شميل: الأَيِّمُ في كلام العرب: كل ذكر لا أنثى معه، وكل أنثى لا ذكر معها. وهو قول ابن عباس في رواية الضحاك، يقول: زوجوا أياماكم بعضكم من بعض. وخصَّه أبو بكر الخفَّاف بمن فقدت زوجها، فإطلاقه على البِكْر مجاز. وقال الزمخشري: " تأيَّما إذا لم يتزوجا بِكرين كانا أو ثيّبين " ، وأنشد:
3830- فَإِنْ تَنْكِحي أَنْكِح وإِنْ تَتَأَيَّمِي   وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُم أَتَأَيَّمُ
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللَّهم إني أعوذ بك من العَيْمَة والغَيْمَة والأَيْمَة والكَرم والقَرَم " العَيْمة - بالمهملة: شدة شهوة اللبن. وبالمعجمة: شدة العطش. والأَيْمَة: طول العزبة. والكَرَم: شدة شهوة الأكل والقَرَم: شدة شهوة اللحم و " منكم " حال. وكذا " مِنْ عِبادكُمْ ".

فصل

قوله: " وَأَنكحوا " أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فدلّ على أن الولي يجب عليه تزويج موليته، (وإذا ثبت هذا وجب ألا يكون النكاح إلا بولي، لأن كل ما وجب على الولي حكم بأنه لا يصح من المولية)، ولأن المولية لو فعلت ذلك لفوَّتتْ على الولي تمكنه من أداء هذا الواجب، وأنه غير جائز، ولم تطابق قوله عليه السلام: " إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزوِّجُوهُ، إلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَة فِي الأَرْضِ " قال أبو بكر الرازي: هذه الآية وإن اقتضت الإيجاب، إلا أنه أجمع السلف على أنه لا يراد الإيجاب، ويدل عليه أمور:

أحدها: أنه لو كان ذلك واجباً لنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف مستفيضاً، لعموم الحاجة إليه، فلما علمنا أن سائر الأعصار كانت فيهم أيامى من الرجال والنساء ولم ينكروا ذلك، ثبت أنه لم يرد الإيجاب.

وثانيها: أجمعنا على أن الأَيِّمَ الثيّب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه.

وثالثها: اتفاق الكل على أنه لا يجب على السيد تزويج أمته وعبده، وهو معطوف على الأيامى، فدل على أنه غير واجب في الجميع، بل ندب في الجميع.

السابقالتالي
2 3