الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } الآية. الغض: إطباق الجفن بحيث يمنع الرؤية. قال:
3826- فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ   فَلاَ كَعْباً بَلَغْتَ وَلاَ كِلاَبا
وفي " مِنْ " أربعة أوجه:

أحدها: أنها للتبعيض، لأنه يُعْفَى عن الناظر أول نظرة تقع من غير قصد.

والثاني: لبيان الجنس، قاله أبو البقاء. وفيه نظر من حيث إنَّه لم يَتَقَدَّم مُبهمٌ يكونُ مُفَسَّراً بـ " مِنْ ".

الثالث: أنها لابتداء الغاية، قاله ابن عطية.

الرابع: قال الأخفش: إنها مزيدة.

فصل

قال الأكثرون: المراد غض البص عما يحرم والاقتصار به على ما يحل.

فإن قيل: كيف دخلت " مِنْ " في غض البصر دون حفظ الفرج؟

فالجواب: أن ذلك دليل على أن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وصدورهن، وكذا الجواري المستعرضات، وأما أمر الفروج فمضيق.

وقيل: معنى { يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } أي: ينقصوا من نظرهم بالبصر إذا لم يكن من عمله فهو مغضوض.

وعلى هذا " مِنْ " ليست زائدة، ولا هي للتبعيض، بل هي صلة للغض، يقال: غضضت من فلان: إذا نقصت منه.

فصل

العورات تنقسم أربعة أقسام:

عورة الرجل مع الرجل.

وعورة المرأة مع المرأة.

وعورة المرأة مع الرجل.

وعورة الرجل مع المرأة.

أما الرجل مع الرجل، فيجوز له أن ينظر إلى جميع بدنه إلا العورة، وهي ما بين السرة والركبة، والسرة والركبة ليسا بعورة.

وعند أبي حنيفة: الركبة عورة.

وقال مالك: " الفخذ ليس بعورة ".

وهو مردود بقوله عليه السلام: " غَطِّ فَخَذَكَ فإنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ ".

وقوله لعلي: " لا تُبْرِزْ فَخذَكَ، وَلاَ تَنْظُر إلى فَخِذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ ".

فإن كان أمر ولم يحل النظر إلى وجهه، ولا إلى شيء من سائر بدنه بشهوة، ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان كل واحد منهما في جانب من الفراش لقوله عليه السلام: " لا يُفضي الرجل إلى الرجل في فراش واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد " وتكره معانقة الرجل للرجل وتقبيله إلا لولده شفقة لما روي عن أنس قال: " قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أيلزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ يده فيصافحه؟ قال: نعم ".

ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المكاعمة والمكامعة، وهي: معانقة الرجل للرجل وتقبيله.

وأما عورة المرأة مع المرأة، فهي كالرجل مع الرجل فيما ذكرنا سواء.

والذمية هل يجوز لها النظر إلى بدن المسلمة؟ فقيل: هي كالمسلمة مع المسلمين.

والصحيح أنه لا يجوز لها (النظر) لأنها أجنبية في الدين لقوله تعالى: " أَوْ نِسَائِهِنَّ " وليست الذمية من نسائنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8