الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } الآية.

لما ذكر حكم الرمي والقذف ذكر ما يليق به، لأن أهل الإفك (إنما توصلوا) إلى بهتانهم لوجود الخلوة، فصارت كأنها طريق التهمة، فأوجب الله تعالى ألا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام، لأن الدخول على غير هذا الوجه يوقع التهمة، وفي ذلك من المضرة ما لا خفاء به.

قوله: " تَسْتَأنِسُوا " يجوز أن يكون من الاستئناس، لأنَّ الطارق يستوحش من أنه هل يؤذن له أو لا؟ فزال استيحاشه، وهو رديف الاستئذان فوضع موضعه.

وقيل: من الإيناس، وهو الإبصار، أي: حتى تستكشفوا الحال.

وفسره ابنُ عباس: " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا " وليست قراءة، وما ينقل عنه أنه قال: " تَسْتَأنِسُوا " خطأ من الكاتب، إنما هو (تَسْتَأْذِنُوا) فشيء مفترى عليه.

وضعفه بعضهم بأن هذا يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر، ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر، وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وإنه باطل.

وروي عن الحسن البصري أنه قال: " إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، فالمعنى: حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا ". وهذا أيضاً خلاف الظاهر.

وفي قراءة عبد الله: { حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا } وهو أيضاً خلاف الظاهر.

واعلم أن هذا نظير ما تقدم في الرعد: (في)أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [الرعد: 31] وتقدم القول فيه. والاستئناس: الاستعلام (والاستكشاف، من أنس الشيء: إذا أبصره، كقوله:إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } [طه: 10]، والمعنى: حتى تستعلموا الحال، هل يراد دخولكم؟) قال:
3825- كَأَنَّ رَحْلِيَ وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا   يَوْمَ الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ
وقيل: هو من " الإنْس " بكسر الهمزة، أي: يَتَعرَّف هل فيها إنْسٌ أم لا؟

وحكى الطبري أنه بمعنى: " وَتُؤْنِسُوا أَنْفُسَكُمْ ".

قال ابن عطية: وتصريف الفعل يَأْبَى أن يكونَ مِنْ " أَنَس ".

فصل

قال الخليل: الاستئناس: الاستبصار من (أنس الشيء إذا أبصره) كقوله:آنسْتُ نَاراً } [طه: 10] أي: أبصرت.

وقيل: هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو بتنحنح يؤذن أهل البيت. وجملة حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان.

واختلفوا: هل يقدم الاستئذان أو السلام؟

فقيل: يقدم الاستئذان، فيقول: أأدخل؟ سلام عليكم، لقوله: " حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا " أي: تستأذنوا { وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا }. والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول: سلام عليكم، أأدخل؟ ( " لما روي أن رجلاً دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسلم ولم يستأذن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ارجع فقُل: السلام عليكم، أأدخل " ) وروى ابن عمر أن رجلاً استأذن عليه فقال: أأدخل؟ فقال ابن عمر: لا، فأمر بعضهم الرجل أن يسلم، فسلَّم، فأذِنَ له.

السابقالتالي
2 3 4 5