الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } العفائف " الغَافِلاَتِ " عن الفواحش " المُؤْمِنَاتِ " والغافلة عن الفاحشة أي: لا تقع في مثلها، وكانت عائشة كذلك، فقال بعضهم: الصيغة عامة، فيدخل فيه قَذَفَةُ عائشة وغيرها.

وقيل: المراد قذفة عائشة.

قالت عائشة: رميت وأنا غافلة، وإنما بلغني بعد ذلك، فبينا رسول الله عندي إذ أوحى إليه، قال: " أبشري " وقرأ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ }.

وقيل: المراد جُملة أزواج رسول الله، وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحقٌ به. واحتج هؤلاء بأمور:

الأول: أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله في أول السورة:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } [النور: 4] إلى قوله:إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ... } [النور: 5].

وأما القاذف في هذه الآية فإنه لا تقبل توبته لقوله تعالى: { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } ولم يذكر استثناء.

وأيضاً فهذه صفة المنافقين في قوله:مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ } [الأحزاب: 61].

الثاني: أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر، والقاذف في هذه الآية كافر، لقوله: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ... } وذلك صفة الكفار والمنافقين لقوله:وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ... } [فصلت: 19] الآيات.

الثالث: أنه قال: { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } والعذاب العظيم هو عذاب الكفر، (فدلّ على أن عذاب هذا القاذف عقاب الكفر). وعقاب قذف سائر المحصنات لا يكون عقاب الكفر.

وروي أن ابن عياش كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير هذه الآية، فقال: " من أذنب ثم تاب قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة ".

وأجاب الأولون بأن الوعيد المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون مشروطاً بعدم التوبة، لأن الذنب سواء كان كفراً أو فسقاً، فإذا تاب عنه صار مغفوراً.

وقيل: هذه الآية نزلت في مشركي مكة حين كان بينهم وبين رسول الله عهد، فكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا: " إنها خرجت لتفجر " فنزلت فيهم.

قوله: " يَوْمَ تَشْهَدُ " ، ناصبه الاستقرار الذي تعلق به " لَهُمْ ".

وقيل: بل ناصبه " عَذَابٌ ". ورد بأنه مصدر موصوف.

وأجيب بأن الظرف يُتَّسَعُ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيره.

وقرأ الأخوان: " يَشْهَدُ " بالياء من تحت، لأن التأنيث مجازي، وقد وقع الفصل والباقون: بالتاء مراعاة للفظ.

قوله: " يَوْمَئِذٍ ": التنوين في " إذْ " عِوَضٌ من الجملة تقديره: يَوْمئذ تَشْهَدُ، وقد تقدم خلاف الأخفش فيه.

وقرأ زيد بن علي " يُوفِيهِمْ " مخففاً من " أَوْفَى ".

وقرأ العامة بنصب " الحَقَّ " نعتاً لـ " دِينَهُمْ ".

وأبو حَيْوَة وأبو رَوْق ومجاهد - وهي قراءة ابن مسعود - برفعه نعتاً لله تعالى.

فصل

قوله { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ }.

قال المفسرون: هذا قبل أن يختم على أفواههم وأيديهم وأرجلهم.

يروى أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا.

{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } جزاءهم الواجب. وقيل: حسابهم العدل، { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا.

وإنما سُمِّيَ الله بـ " الحق " لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره.

وقيل: سُمِّيَ بـ " الحق " ومعناه: الموجود، لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم، ومعنى " المُبين ": المظهر.