الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } الآية.

يجوز أن يكون " يَأْتَلِ ": " يفتعل " ، من الألية، وهي الحلف، كقوله:
3821- وَآلَتْ حَلْفَةً لَمْ تَحَلَّلِ   
ونصر الزمخشري هذا بقراءة الحسن " ولا يَتَأَلَّ " من الأليَّة، كقوله: " مَنْ يَتَأَلَّ عَلَى اللَّهِ يُكَذبْهُ ".

ويجوز أن يكون " يفتعل " من أَلَوْتُ، أي: قَصَّرْتُ، كقوله تعالى:لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [آل عمران: 118] قال:
3822- وَمَا المَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ   بمُدْرِكِ أَطْرَافِ الخُطُوبِ وَلاَ آلِ
وقال أبو البقاء: وقرئ: " وَلاَ يَتَأَلَّ " على " يَتفعل " وهو من الألية أيضاً، ومنه:
3823- تَألَّى ابنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لَيَرُدُّنِي   إلى نِسْوَةٍ كَأَنَّهُنَّ مَفَائِدُ
قوله: " أَنْ يُؤْتُوا " هو على إسقاط الجار، وتقديره على القول الأول: ولا يأتل أولو الفضل على أن لا يحسنوا. وعلى الثاني: ولا يقصر أولو الفضل في أن يحسنوا.

وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسيم وابن قطيب: " تؤتوا " بتاء الخطاب، وهو التفات موافق لقوله: " أَلاَ تُحِبُّون ". وقرأ الحسن وسفيان بن الحسين " ولتعفوا ولتصفحوا " بالخطاب وهو موافق لما بعده.

فصل

المشهور أن معنى الآية: لا يحلف أولو الفضل، فيكون " افتعال " من الألية.

قال أبو مسلم: وهذا ضعيف لوجهين:

أحدهما: أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع عن الحلف على الإعطاء، وهم أرادوا المنع على ترك الإعطاء، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب، وجعل المنهي عنه مأموراً به.

الثاني: أنه قلما يوجد في الكلام " أَفتعَلت " مكان " أفعلت " (وإنما وجد مكان " فعلت " ) وهنا آليْتُ من الأليّة: " افْتَعَلْتُ " فلا يقال: أفعلت، كما لا يقال من ألزمت التزمت، ومن أعطيت اعتطيت. ثم قال في " يأتل ": إن أصله " يأتلي " ذهبت الياء للجزم لأنه نهي، وهو من قولك: مَا ألوتُ فلاناً نصحاً، ولم آل في أمري جُهْداً، أي: ما قصرت. ولا يأل ولا يأتل ولم يأل والمراد: لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم، ويوجد كثيراً " افْتَعَلْتُ " مكان " فَعَلْتُ " ، تقول: كسبتُ واكتسبت، وصنعتُ واصطنعتُ، وهذا التأويل مروي عن أبي عبيدة. قال ابن الخطيب: " وهذا هو الصحيح دون الأول ".

وأجاب الزجاج عن الأول بأن " لا " تحذف في اليمين كثيراً، قال الله تعالى:وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ } [البقرة: 224] يعني: أن لا تبروا، وقال امرؤ القيس:
3824- فَقُلْتُ يَمِين اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً   
أي: لا أبرح.

وأجابوا عن السؤال الثاني أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظ باليمين، وقول واحد منهم حجة في اللغة، فكيف الكل؟ ويعضده قراءة الحسن: " ولا يَتَأَلَّ ".

السابقالتالي
2 3