الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ } الآية.

لمَّا بين ما على الإفك وعلى مَنْ سُمِع مِنْهُ وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ } ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا كما شارك فيه من فعله.

والإشاعة: الانتشار، يقال: في هذا العقار سهم شائع: إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلاً. وشاع الحديث: إذا ظهر في الجميع ولم يكن منفصلاً. وشاع الحديث: إذا ظهر في العامة. والمعنى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ } أن يظهر ويذيع الزنا { فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا: الحد. وفي الآخرة: النار.

وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة.

والآية إنما نزلت في قَذَفَةِ عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ثم قال: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وهذا حسن الموقع في هذا الموضع، لأن محبة القلب كافية ونحن لا نعلمها إلا بالإبانة، وأما الله - سبحانه - فإنه لا يخفى عليه، وهذا نهاية في الزجر، لأن من أحبّ إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله يعلم ذلك منه، ويعلم قدر الجزاء عليه.

وهذه الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم ذنب، وأن إرادة الفسق فسق، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبّة إشاعة الفاحشة.

فصل

قالت المعتزلة: إن الله بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة، فلو كان تعالى هو الخالق لأفعال العباد لما كان مشيع الفاحشة إلا هو، فكان يجب ألا يستحق الذم على إشاعة الفاحشة إلا هو، لأنه هو الذي فعل تلك الإشاعة، وغيره لم يفعل شيئاً، وتقدم الكلام على (نظيره).