الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }

قوله: " إذْ تَلَقَّوْنَهُ ". " إذْ " منصوب بـ " مَسَّكُمْ " أو بـ " أَفَضْتُمْ ".

وقرأ العامة: " تَلَقَّوْنَهُ " والأصل: تَتَلَقَّوْنَهُ، فحُذِفَ إحدى التاءين كـ " تَنَزَّل " ونحوه، ومعناه: يَتَلَقَّاهُ بعضكُمْ من بعضٍ.

قال الكلبي: وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا وكذا، يتلقونه تلقياً.

قال الزجاج: يلقيه بعضهم إلى بعض.

والبَزِّي على أصله في أنه يُشَدِّدُ التَّاءَ وَصْلاً، وتقدم تحقيقه في البقرة نحوولا تَيَمَّمُوا } [البقرة: 267] وهو هناك سهل، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا.

وأبو عمرو والكسائي وحمزة على أصولهم في إدغام الذال في التاء.

وقرأ أُبيّ: " تَتَلَقَّوْنَهُ " بتاءين، وتقدم أنها الأصل. وقرأ ابن السميفع في رواية عنه: " تُلْقُونه " بضم التاء وسكون اللام وضم القاف مضارع: ألقى إلقاء.

وقرأ هو في رواية أخرى: " تَلْقَونه " بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف مضارع: لقي. وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف من ولق الرجل: إذا كذب. قال ابن سيدة: جاءوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي، وعندي أنه أراد: تلقون فيه، فحذف الحرف، ووصل الفعل للضمير، يعني: أنهم جاءوا بـ " تَلَقَّوْنَهُ " وهو متعد مفسراً بـ " تكذبون " وهو غير متعد، ثم حمله على ما ذكر. وقال الطبري وغيره: إن هذه اللفظة مأخوذة من الوَلَق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء، كعَدْوٍ في إثْر عدو، وكلامٍ في إثر كلامٍ، يقال: ولق في سيره أي: أسرع، وأنشد:
3820- جَاءَتْ بِهِ عِيسٌ مِنَ الشَّامِ تَلِقْ   
وقال أبو البقاء: أي: يُسْرِعُون فيه، وأصله من " الولق " وهو الجنون.

وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر: " تَأْلِقُونَهُ " بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة من " الأَلَق " وهو الكَذِبُ. وقرأ يعقوب: " تِيلَقُونه " بكسر التاء من فوق، بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة، وهو مضارع " وَلِق " بكسر اللام، كما قالوا: " تيجل " مضارع " وَجِل ". وقوله: " بِأَفْوَاهِكمْ " كقوله:يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ } [آل عمران: 167] وقد تقدم.

فصل

اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام، وعلق مس العذاب العظيم بها.

أحدها: تلقي الإفك بألسنتهم، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له: ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة، وذلك من العظائم.

وثانيها: أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم، ونظيره:

السابقالتالي
2