قوله تعالى: { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } " لَوْلاَ " هذه تحضيضية، أي: هَلاَّ، وذلك كثير في اللغة إذا كانت تلي الفعل كقوله:{ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي } [المنافقون: 10] وقوله:{ فَلَوْلاَ كَانَتْ } [يونس: 98]. فأما إذا ولي الاسم فليس كذلك كقوله:{ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [سبأ: 31]،{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [النساء: 83]. و " إذْ " منصوب بـ " ظَنَّ " والتقدير: لولا ظَنَّ المؤمنون بأنفسهم إذ سَمِعْتُمُوه. وفي هذا الكلام التفات. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: لولا إذ سمعتموه، ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم، ولِمَ عَدَل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق (أحد قالةً في أخيه، وألا يظن بالمسلمين إلا خيراً). وقوله: " وَلِمَ عدل عن الخطاب "؟ يعني في قوله: " وَقَالُوا " فإنه كان الأصل: " وقلتم " ، فعدل عن هذا الخطاب إلى الغيبة في " وَقَالُوا ". وقوله: " وعن الضمير " يعني أن الأصل كان " ظَنَنْتُمْ " فعدل عن ضمير الخطاب إلى لفظ المؤمنين. فصل المعنى: هلاَّ { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ } بإخوانهم " خَيْراً ". وقال الحسن: بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، كقوله:{ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [النساء: 29]{ فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [النور: 61] المعنى: بأمثالكم المؤمنين. وقيل: جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور، فإذا جرى على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم، كما قال عليه السلام " مَثَلُ المُسْلِمينَ في تَوَاصُلِهِمْ وتراحُمِهِمْ كمثل الجَسَد إذا وجع بعضه وجع كله بالسَّهر والحُمَّى " وقال عليه السلام: " المؤمنُون كالبُنْيَانِ يشدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً ". وقوله: { هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } أي: كذب بين.