الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

(قوله تعالى): { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } الآية.

قرأ العامة " سُورَةٌ " بالرفع، وفيه وجهان:

أحدهما: أن تكون مبتدأ، والجملة بعدها صفة لها، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداء بالنكرة، وفي الخبر وجهان:

أحدهما: أنه الجملة من قوله: " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ".

(وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال: ويجوز أن تكون مبتدأ، والخبر " الزَّانِيَةُ والزّانِي " ) وما بعد ذلك. والمعنى: السورةُ المُنَزَّلةُ والمفروضة كذا وكذا، إذ السورة عبارة عن آيات مَسْرُودَة لها بدْءٌ وخَتْمٌ.

والثاني: أن الخبر محذوف، أي: فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ، أو فيما أنزلنا سورة.

والوجه الثاني من الوجهين الأولين: أن تكون خبراً لمبتدأ مضمر، أي: هذه (سورة).

وقال أبو البقاء: (سورة) بالرفع على تقدير: هذه سورةٌ، أو فيما يتلى عليك سورة، فلا تكون (سورة) مبتدأ، لأنها نكرة.

وهذه عبارة مشكلةٌ على ظاهرها، كيف يقول: " لا تكون مبتدأ " مع تقديره: فيما يُتلى عليك سورةُ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرة مع تقديره لخبرها جاراً مقدماً عليها، وهو مسوغ للابتداء بالنكرة؟ وقرأ عمر بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف " سُورَةً " بالنصب، وفيها أوجه:

أحدها: أنها منصوبة بفعل مُقَدَّر غير مُفَسِّرٍ بما بعده، تقديره: " اتْلُ سُورَةً " أو " اقرأ سورة ".

والثاني: أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده، والمسألة من الاشتغال، تقديره: " أنزلنا سورةً (أنزلناها " ).

والفرق بين الوجهين: أنَّ الجملة بعد " سُورَةً " في محل نصب على الأول، ولا محل لها على الثاني.

الثالث: أنها منصوبة على الإغراء، أي: دونك سورةً، قاله الزمخشري. ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء. واستشكل أبو حيان أيضاً على وجه الاشتغال جواز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ، ومعنى ذلك أنه ما مِنْ موضع يجوز (فيه) النصب على الاشتغال إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداء، وهنا لو رفعت " سُورَةً " بالابتداء لم يَجُزْ، إذ لا مسوغ، فلا يقال: " رجلاً ضربتُه " لامتناع " رجل ضربتُه " ، ثم أجاب بأنه إن اعْتُقِدَ حذف وصفٍ جاز، أي: " سُورة مُعَظَّمةً أو مُوَضّحَةً أنزلناها " فيجوز ذلك.

الرابع: أنها منصوبة على الحال من " ها " في " أَنْزَلْنَاهَا " ، والحال من المكنيّ يجوز أن يتقدم عليه، قاله الفراء.

وعلى هذا فالضمير في " أَنْزَلْنَاهَا " ليس عائداً على " سُورَةً " بل على الأحكام، كأنه قيل: أنزلنا الأحكام سورةً من سُوَر القرآن، فهذه الأحكام ثابتةٌ بالقرآن بخلاف غيرها فإنه قد ثبت بالسُّنّة، وتقدم معنى الإنزال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6