الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

قوله تعالى: { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } الآية لما أدَّب رسوله بقوله:ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [المؤمنون: 96] أتبعه بما يقوي على ذلك وهو الاستعاذة بالله من أمرين:

أحدهما: من همزات الشياطين. والهَمَزَاتُ جمع همزَة، وهي النخسة والدفع بيدٍ وغيرها، وهي كالهزِّ والأزّ، ومنه مِهْمَازُ الرائض، والمِهْمَاز مفْعَالٌ من ذلك كالمِحْرَاث من الحَرْث والهَمَّازُ الذي يصيب الناس، كأنه يدفع بلسانه وينخس به.

فصل

معنى " أعُوذُ بِكَ " أمتنع وأعتصم بك { مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } نزعاتهم وقال الحسن: وساوسهم. وقال مجاهد: نفخهم ونفثهم. وقال أهل المعاني: دفعهم بالإغواء إلى المعاصي. قال الحسن: كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة: " " لا إله إلاّ الله ثلاثاً، الله أكبر ثلاثاً، اللهم إني أعوذ بك من هَمَزَاتِ الشياطين هَمْزِهِ ونَفْثِه ونَفْخِه ".

فقيل: يا رسول الله ما همزه؟ قال: " الموتة التي تأخذ ابن آدم " أي: الجنون. قيل: فَمَا نَفْثه؟ قال: " الشعْر " قيل: فما نفخُه؟ قيل: " الكِبْر " ".

والثاني: قوله: { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } أي: في شيء من أموري، وإنما ذكر الحضور، لأن الشيطان إذا حَضَر وسوس.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } الآية في (حَتَّى) هذه أوجه:

أحدها: أنها غاية لقوله: " بِمَا يَصِفُونَ ".

والثاني: أنها غاية " لِكَاذِبُونَ ".

ويبين هذين الوجهين قول الزمخشري: " حَتَّى " يتعلق بـ " يَصِفُونَ " أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد. ثم قال: أو على قوله: " وإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ". قال شهاب الدين: قوله: (أو على قوله كذا) كلام محمول على المعنى، إذ التقدير: " حَتَّى " معلقة على " يَصِفُونَ " أو على قوله: " لَكَاذِبُونَ " وفي الجملة فعبارته مشكلة.

الثالث: قال ابن عطية: " حَتَّى " في هذا الموضع حرف ابتداء، ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف، والأوَّل أبْيَن، لأنّ ما بعدها هو المعنيّ به المقصود (ذكره).

قال أبو حيان: فتوهم ابن عطية أن " حَتَّى " إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية، وهي وإن كانت حرف ابتداء فالغاية معنى لا يفارقها، ولم يبيّن الكلام المحذوف المقدر.

وقال أبو البقاء: (حَتَّى) غاية في معنى العطف. قال أبو حيّان: والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون " حَتَّى " غاية لها يدل عليها ما قبلها، التقدير: فلا أكون كالكفار الذين تهزمهم الشياطين ويحضرونهم حتى إذا جَاءَ، ونظير حذفها قول الشاعر:
3806- فَيَا عَجَباً حَتَّى كُليْبٌ تسُبُّني   
أي: يسبني الناس كُلهم حتى كليب إلاَّ أن في البيت دلّ ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة.

السابقالتالي
2 3