الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } الآيات لمَّا ذمَّ من تقدّم بقوله:أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ } [المؤمنون: 55] ثم قال:بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [المؤمنون: 56]، بيّن بعده صفات من يُسارع في الخيرات، فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } ، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف. وقيل: جمع بينهما للتأكيد. ومنهم من حمل الخشية على العذاب، والمعنى: إن الذين هم من عذاب ربهم مشفقون أي: خائفون من عقابه.

قوله: " مِنْ خَشْيَةِ " فيه وجهان:

أحدهما: أنها لبيان الجنس. قال ابن عطية: هي لبيان جنس الإشفاق.

قال شهاب الدين: وهي عبارة قَلِقَة.

والثاني: أنها متعلقة بـ " مُشْفِقُونَ ". قاله الحوفي، وهو واضح.

قوله: { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يصدّقون، وآيات الله هي المخلوقات الدالة على وجوده. { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله - تعالى -، لأن ذلك داخل في قوله: { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } بل المراد منه نفي الشرك الخفيّ، وهو أن يكون مخلصاً في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه.

قوله: { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } العامة على أنه من الإيتاء، أي: يعطون ما أعطوا.

وقرأت عائشة وابن عباس والحسن والأعمش: " يَأَتُونَ مَا أَتَوْا " من الإتيان، أي: يفعلون ما فعلوا من الطاعات. واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على " أَتَوْا " فقط، وليس بجيّد، لأنّه يوهم أن من قرأ " أَتَوْا " بالقصر قرأ " يُؤْتُونَ " من الرباعي وليس كذلك.

قوله: { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هذه الجملة حال من فاعل " يُؤْتُونَ " ، فالواو للحال، والمعنى: يعطون ما أعطوه، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات، والكفارات وغيرها. أو من حقوق الآدميين، كالودائع، والديون وأصناف الإنصاف والعدل. وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه " وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ " ، أي: إنهم يقدمون على العبادة على وجل من تقصير وإخلال بنقصان.

" روي أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني، ويشرب الخمر، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله؟ فقال عليه السلام: " لا يا بنت الصديق، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق، وهو على ذلك يخاف الله " قوله: " أنَّهُمْ " يجوز أن يكون التقدير: وجلة مِنْ أنَّهُمْ أي: خائفة من رجوعهم إلى ربّهم. ويجوز أن يكون: لأنهم أي: سبب الوجل الرجوع إلى ربهم.

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ } هذه الجملة خبر " إنَّ الَّذِينَ " ، وقرأ الأعمش: " إنَّهُمْ " بالكسر، على الاستئناف، فالوقف على " وَجِلَةٌ " تام أو كاف.

السابقالتالي
2