الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ }

قوله تعالى: { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } الآية، جعل ابن عطية هذه الواو للحال، فقال: وكأنه يقول هذه الأمثال في غاية الوضوح، ومن الناس مع ذلك من يجادل (فكان الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف.

قال أبو حيان: ولا يتخيل أن الواو في { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ } ) واو حال، وعلى تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحاً بها فلا تتقدر بـ (إذ)، فلا تكون للحال، وإنما هي للعطف. قال شهاب الدين: ومنعه من تقديرها بـ (إذ) فيه نظر، إذ لو قدر لم يلزم منه محذور.

قوله: " بِغَيْرِ عِلْم " يجوز أن يتعلق بـ " يُجَادِل " ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل " يُجَادِلُ " أي: يجادل ملتبساً بغير علم، أي: جاهلاً.

قوله: " ثَانِيَ عِطْفِه ": حال من فاعل " يُجَادِل " أي: مُعْرِضاً، وهي إضافة لفظية نحو " مُمْطِرُنَا ". والعامة على كسر العين، وهو الجانب كني به عن التكبر.

والحسن بفتح العين، وهو مصدر بمعنى التعطف، وصفه بالقسوة.

قوله: " لِيُضلَّ " متعلق إما بـ " يُجَادِلُ " ، وإما بـ " ثاني عِطْفِه " وقرأ العامة بضم الياء في " يُضِلّ " والمفعول محذوف أي: ليضل غيره. وقرأ مجاهد وأبو عمرو في رواية بفتحها، أي: ليضل هو في نفسه.

قوله: { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً مقارنة أي: مستحقاً ذلك، وأن تكون حالاً مقدرة، وأن تكون مستأنفة. وقرأ زيد بن علي " وأُذِيْقُه " بهمزة المتكلم، و " عَذَابَ الحَرِيْق " يجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف لصفته إذ الأصل العذاب الحريق أي: المحرق كالسميع بمعنى المسمع.

فصل

قال أبو مسلم: الآية الأولى واردة في الأتباع المقلدين، وهذه الآية واردة في المتبعة عن المقلدين، فإن كلا المجادلين جادل بغير علم وإن كان أحدهما تبعاً والآخر متبوع، وبين ذلك قوله: { وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } فإن مثل ذلك لا يقال في المقلد وإنما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة. فإن قيل: كيف يصح ما قلتم والمقلد لا يكون مجادلاً؟ قلنا: يجادل تصويباً لتقليده، وقد يورد الشبهة الظاهرة إذا تمكن منها وإن كان معتمده الأصلي هو التقليد. وقيل: إن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحارث، وهو قول ابن عباس وفائدة التكرير المبالغة في الذم، وأيضاً: قد ذكر في الآية الأولى اتباعه تقليداً بغير حجة، (وفي الثانية مجادلته في الدين، وإضلاله غيره بغير حجة).

والأول أقرب لما تقدم. ودلت الآية على أن الجدال مع العلم والهدى والكتاب حق حسن.

السابقالتالي
2