الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } إلى آخر السورة. لما ذكر الإلهيات ثم النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع، وهو من أربعة أوجه:

الأول: تعيين المأمور.

والثاني: أقسام المأمور به.

والثالث: ذكر ما يوجب تلك الأوامر.

والرابع: تأكيد ذلك التكليف.

فأما تعيين المأمور به فهو قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وهذا خطاب للمؤمنين؛ لأنه صرح بهم، ولقوله: " هُوَ اجْتَبَاكُمْ " ، ولقوله: { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ } ، وقوله { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ }. وقيل: خطاب لكل المكلفين مؤمناً كان أو كافراً؛ لأن التكليف بهذه الإشارة عامّ في كل المكلفين فلا معنى لتخصيص المؤمن بذلك. وأما فائدة التخصيص، فلأنه لما لم يقبله إلا المؤمنون خصهم بالذكر ليحرضهم على المواظبة على ما قبلوه، وكالتشريف لهم في ذلك الإفراد. وأما المأمور به فأربعة أمور:

الأول: الصلاة وهو المراد بقوله: " ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا " وذلك لأن أشرف أركان الصلاة هو الركوع والسجود، والصلاة هي المختصة بهذين الركنين، فجرى ذكرهما مجرى ذكر الصلاة، وذكر ابن عباس: أن الناس كانوا في أول إسلامهم يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية.

والثاني: قوله: " وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ " قيل: وحدوه. وقيل: اعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات. وقيل: افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات بنية العبادة.

الثالث: قوله: " وَافْعَلُوا الخَيْرَ " قال ابن عباس: هو صلة الرحم ومكارم الأخلاق " لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " لكي تفوزوا بالجنة. وقيل: كلمة " لَعَلَّ " للترجي، فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير، فليس هو على يقين من أن الذي أتى به هل هو مقبول عند الله والعواقب مستورة " وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له "

فصل

اختلفوا في سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية، فذهب عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس: إلى أنه يسجد، وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق لما روى عقبة بن عامر قال: " قلت: يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال: " نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما " وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا يسجد هاهنا. وعدد سجود القرآن أربع عشرة سجدة عند أكثر أهل العلم منها ثلاث في المفصل، وروي عن أبيّ بن كعب وابن عباس: ليس في المفصل سجود، وبه قال مالك.

وقد صح عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في " اقْرَأ " وإِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [الانشقاق: 1]. وأبو هريرة متأخر الإسلام. واختلفوا في سجدة ص فروي عن ابن عباس أنها سجدة شكر وهو مذهب الشافعي وعن عمر أنه يسجد فيها، وهو قول الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق.

السابقالتالي
2 3 4 5