الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الآية. لما قال:ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [الحج: 69] أتبعه بما به يعلم أنه تعالى عالم بما يستحقه كل أحد، ويقع الحكم بينهم بالعدل لا بالجور فقال لرسوله: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } ، وهذا استفهام معناه تقوية قلب الرسول - عليه السلام - والوعد له وإيعاد الكافرين بأن أفعالهم كلها محفوظة عند الله لا يضل عنه ولا ينسى. والخطاب مع الرسول والمراد سائر العباد لأن الرسالة لا تثبت إلا بعد العلم بكونه تعالى عالماً بكل المعلومات، إذ لو لم يثبت ذلك لجاز أن يشتبه عليه الكاذب بالصادق، فحينئذ لا يكون إظهار المعجزة دليلاً على الصدق، وإذا كان كذلك استحال أن لا يكون الرسول عالماً بذلك، فثبت أن المراد أن يكون خطاباً مع الغير ثم قال: { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } أي: كله في كتاب يعني اللوح المحفوظ.

وقال أبو مسلم: معنى الكتاب الحِفْظ والضَّبْط والشَّد، يقال: كَتَبْتُ المزادة أكْتُبُها إذا خَرزْتها، فحفظت بذلك ما فيها، ومعنى الكتاب بين الناس حفظ ما يتعاملون به، فالمراد بالآية أنه محفوظ عنده. وأيضاً فالقول الأول يوهم أن علمه مستفاد من الكتاب.

وأجيب بأن هذا القول وإن كان صحيحاً نظراً إلى الاشتقاق لكن حمل اللفظ على المتعارف أولى، ومعلوم أن الكتاب هو ما كتب فيه الأمور.

فإن قيل: أي فائدة في ذلك الكتاب إذا كان محفوظاً؟

فالجواب أن كتبه تلك الأشياء في ذلك الكتاب مع كونها مطابقة للموجودات دليل على أنه تعالى غني في علمه عن ذلك الكتاب. وفائدة أن الملائكة ينظرون فيه، ثم يرون الحوادث داخلة في الوجود على وفقه فيصير ذلك دليلاً لهم زائداً على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات وقوله: { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي العلم بجميع ذلك على الله يسير. والمعنى: إن ذلك مما يتعذر على الخلق لكنه متى أراده الله تعالى كان، فعبر عن ذلك بأنه يسير، وإن كان هذا الوصف لا يستعمل إلا فينا من حيث تسهل وتصعب علينا الأمور، وتعالى الله عن ذلك. ثم إنه تعالى بين ما يقدم الكفار عليه مع عظم نعمه ووضوح دلائله فقال:

{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } حجة { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي: عن جهل، وليس لهم به دليل عقلي فهو تقليد وجهل، والقول الذي هذا شأنه يكون باطلاً.

{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي وما للمشركين من نصير مانع يمنعهم من عذاب الله.

قوله: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } يعني القرآن " بَيِّنَاتٍ " لأنه متضمن للدلائل العقلية وبيان الأحكام.

السابقالتالي
2 3