الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } الآية. لما حكى عنهم الجدال بغير علم في إثبات الحشر والنشر، وذمَّهم عليه، ألزمهم الحجة، وأورد الدلالة على صحة ذلك من وجهين:

أحدهما: الاستدلال بخلقة الحيوان أولاً، ثم بخلقة النبات ثانياً، وهذا موافق لما أجمله في قوله:قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [يس: 79]. وقوله:فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الإسراء: 51]. فكأنه تعالى قال: { إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } أي شك من البعث ففكروا في خلقتكم الأولى لتعلموا أن القادر على خلقكم أولاً قادر على خلقكم ثانياً.

قوله: " مِنَ البَعْثِ ". يجوز أن يتعلق بـ " رَيْبٍ " ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " ريب ". وقرأ الحسن " البَعَثِ " بفتح العين، وهي لغة كالطَّرَدِ والحَلَبِ في الطَّرْد والحَلْب بالسكون. قال أبو حيان: والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف فيما وسطه حرف حلق كالنَّهْر والنَّهَر، والشَّعْر والشَّعَر، والبصريون لا يقيمونه، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان. وهذا يوهم ظاهره أن الأصل: البعث - بالفتح - وإنما خفف، وليس الأمر كذلك وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين هل يجوز تسكينه أم لا؟ لا أنه كلما جاء ساكن العين من ألحقها يدعي أن أصلها بالفتح كما هو ظاهر عبارته.

قوله: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } أي: خلقنا أصلكم وهو آدم من تراب نظيره قوله:كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59] وقوله:مِنْهَا خَلَقْنَاكُم } [طه: 55]. ويحتمل أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية، والأغذية إما حيوان أو نبات، وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعاً للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء فصحّ قوله: { إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ }.

فصل

قال النووي في التهذيب: التراب معروف؛ والمشهور الصحيح الذي قاله الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع. ونقل أبو عمر الزاهد في شرح الفصيح عن المبرد أنه قال: هو جمع واحدته ترابة، والنسبة إلى التراب ترابي. وذكر النحاس في كتابه صناعة الكتاب: في التراب خمس عشرة لغة فقال يقال: تراب وتَوْرب على وزن جعفر، وتَوْرَاب، وتَيْرب - بفتح أولهما - والإِثلب والأَثلَب الأول بكسر الهمزة واللام، والثاني بفتحهما، والثاء مثلثة فيهما ومنه قولهم: بفيه الأثلب، وهو الكَثْكَث - بفتح الكافين وبالثاء المثلثة المكررة، والكثكث - بكسر الكافين - والدِّقعِم - بكسر الدال والعين - والدَّقعاء بفتح الدال والمد، والرَّغام - بفتح الراء والغين المعجمة - ومنه: أرغم الله أنفه، أي: ألصقه بالرغام وهو البرا مقصور مفتوح الباء الموحدة كالعصا، والكِلْخِم بكسر الكاف والخاء المعجمة وإسكان اللام بينهما، والكِلْخ بكسر الكاف واللام وإسكان الميم بينهما والخاء أيضاً معجمة، والعِثْير بكسر العين المهملة وإسكان الثاء المثلثة وبعدها مثناة من تحت مفتوحة.

السابقالتالي
2 3 4 5