الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } الآية. العامة على نصب " البُدْنَ " على الاشتغال، ورجح النصب وإن كان محوجاً للإضمار على الرفع الذي لم يحوج إليه، لتقدم جملة فعلية على جملة الاشتغال وقرئ برفعها على الابتداء والجملة بعدها الخبر والعامة أيضاً على تسكين الدال. وقرأ الحسن ويروى عن نافع وشيخه أبي جعفر بضمها، وهما جمعان لبدنة نحو ثَمَرة وثُمُر وثُمْر، فالتسكين يحتمل أن يكون تخفيفاً من المضموم وأن يكون أصلاً وقيل: البُدُن والبُدْن جمع بَدَن، والبَدَن جمع بَدَنَة نحو خشبة وخشب ثم يجمع خشباً على خُشْب وخُشُب. وقيل: البُدْن اسم مفرد لا جمع يعنون اسم الجنس. وقرأ ابن أبي إسحاق: " البُدُنّ " بضم الباء والدال وتشديد النون وهي تحتمل وجهين:

أحدهما: أنه قرأ كالحسن فوقف على الكلمة وضعف لامها، كقولهم: هذا فرج ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك ويحتمل أن يكون اسماً على فُعُلّ كعُتُلّ.

وسميت البدنة بدنة، لأنها تبدن أي تسمن. وهل تختص بالإبل؟ الجمهور على ذلك، قال الزمخشري: والبدن جمع بدنة سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألحق البقر بالإبل حين قال: " البَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، والبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ " فجعل البقر في حكم الإبل، فصارت البدنة متناولة في الشريعة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل، وعليه تدل الآية.

وقيل: لا تختص بالإبل، فقال الليث: البدنة بالهاء تقع على الناقة والبقرة والبعير، وما يجوز في الهدي والأضاحي، ولا تقع على الشاة. وقال عطاء وغيره: ما أشعر من ناقة أو بقرة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن البقر فقال: " وهَلْ هِيَ إِلاَ مِنَ البُدْن " (وقيل: البدن يراد به العظيم السن من الإبل والبقر).

ونقل النووي في تحرير ألفاظ التنبيه عن الأزهري أنه قال: البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم. ويقال للسمين من الرجال، وهو اسم جنس مفرد.

قوله: { مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } هو المفعول الثاني للجعل بمعنى التصيير.

وقوله: { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } الجملة حال من هاء " جَعَلْنَاهَا " ، وإما من " شَعَائِرِ اللَّهِ " وهذان مبنيان على أن الضمير في " فِيْهَا " هل هو عائد على " البُدْن " أو على " شعائر الله " ، والأول قول الجمهور.

قوله: { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ }. نصب " صَوَافَّ " على الحال، أي مصطفة جنب بعضها إلى بعض. وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم " صَوَافِي " جمع صافية، أي: خالصة لوجه الله تعالى. وقرأ عمرو بن عبيد كذلك إلا أنه نون الياء فقرأ " صَوَافِياً ".

السابقالتالي
2 3 4