الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية. لما فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت، وعظم كفر هؤلاء فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وذلك بالمنع من الهجرة والجهاد.

قال ابن عباس: نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية عن المسجد الحرام وعن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهَدْي، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتالهم وهو محرم، ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل.

قوله: " وَيَصدُّونَ " فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه معطوف على ما قبله، وحينئذ ففي عطفه على الماضي ثلاثة تأويلات:

أحدها: أنّ المضارع قد لا يقصد به الدلالة على زمن معين من حال أو استقبال وإنما يُراد به مجرد الاستمرار، فكأنه قيل: إن الذين كفروا ومن شأنهم الصدّ عن سبيل الله، ومثله:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 28].

الثاني: أنه مؤول بالماضي لعطفه على الماضي.

الثالث: أنه على بابه فإن الماضي قبله مؤول بالمستقبل.

الوجه الثاني: أنه حال من فاعل " كَفَرُوا " ، وبه بدأ أبو البقاء. وهو فاسد ظاهراً، لأنه مضارع مثبت وما كان كذلك لا تدخل عليه الواو وما ورد منه على قلته مؤول، فلا يحمل عليه القرآن. وعلى هذين القولين فالخبر محذوف، واختلفوا في موضع تقديره، فقدره ابن عطية بعد قوله: " وَالبَادِ " أي: إن الذين كفروا خسروا أو أهلكوا، ونحو ذلك.

وقدره الزمخشري بعد قوله: " وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ " أي إن الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم، وإنما قدره كذلك؛ لأن قوله: { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } يدل عليه. إلا أن أبا حيان في تقدير الزمخشري بعد " المَسْجِدِ الحَرَامِ ": لا يصح، قال: لأن " الَّذِي " صفة للمسجد الحرام، فموضع التقدير هو بعد " وَالْبَادِ ". يعني أنه يلزم من تقديره الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو خبر " إنَّ " فيصير التركيب: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم الذي جعلناه للناس.

وللزمخشري أن ينفصل عن هذا الاعتراض بأن " الَّذِي جَعَلْنَاه " لا نسلم أنه نعت للمسجد حتى يلزم ما ذكر بل نجعله مقطوعاً عنه نصباً أو رفعاً. ثم قال أبو حيان: لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية، لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ وابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك.

الوجه الثالث: أن الواو في " وَيَصُدُّونَ " مزيدة في خبر " إنَّ " تقديره: إن الذين كفروا (يصدون).

السابقالتالي
2 3 4 5