الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }

قوله تعالى: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } الآية. لما بين أن الناس قسمان منهم من يسجد لله، ومنهم من حق عليه العذاب ذكر هاهنا كيفية اختصامهم. والخصم: في الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالباً، وعليه قوله تعالىنَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ } [ص: 21].

ويجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث، وعليه هذه الآية. ولما كان كل خصم فريقاً يجمع طائفة قال " اختصموا " بصيغة الجمع كقوله:وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [الحجرات: 9] فالجمع مراعاة للمعنى وقرأ ابن أبي عبلة " اختصما " مراعاة للفظ وهي مخالفة للسواد. وقال أبو البقاء: وأكثر الاستعمال توحيده فيمن ثناه وجمعه حمله على الصفات والأسماء. و " اخْتَصَمُوا " إنما جمع حملاً على المعنى لأن كل خصم تحته أشخاص.

وقال الزمخشري: الخَصْم صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان يختصمان، وقوله: " هَذَانِ " للفظ، و " اختَصَمُوا " للمعنى، كقوله:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ } [محمد: 16]، ولو قيل: هؤلاء خصمان أو اختصما جاز أن يراد المؤمنون والكافرون. قال شهاب الدين: إن عنى بقوله: أن خصماً صفة بطريق الاستعمال المجازي فمسلم، لأن المصدر يكثر الوصف به، وإن أراد أنه صفة حقيقية فخطأه ظاهر لتصريحهم بأن نحو رجل خَصْم مثل رجل عَدْل، وقوله: " هذان " للفظ. أي: إنما أشير إليهم إشارة المثنى، وإن كان في الحقيقة المراد الجمع باعتبار لفظ الفوجين والفريقين ونحوهما. وقوله: كقوله:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ } [محمد: 16] إلى آخره فيه نظر، لأن في تيك الآية تقدم شيء له لفظ ومعنى وهو " من " ، وهنا لم يتقدم شيء له لفظ ومعنى.

وقوله تعالى: { فِي رَبِّهِمْ } أي: في دين ربهم،، فلا بد من حذف مضاف أي جادلوا في دينه وأمره. وقرأ الكسائي في رواية عنه " خصمان " بكسر الخاء. واحتج من قال أقل الجمع اثنان بقوله: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ }. وأجيب بأن المعنى جمع كما تقدم.

فصل

اختلفوا في تفسير الخَصْمَيْن، فقيل: المراد طائفة المؤمنين وجماعتهم، وطائفة الكفار وجماعتهم، وأن كل الكفار يدخلون في ذلك، قال ابن عاس: رجع أهل الأديان الستة " في رَبِّهِم " أي في ذاته وصفاته. وقيل: إنّ أهل الكتاب قالوا: نحن أحق بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تكتمونه، وكفرتم به حسداً، فهذه خصومتهم في ربهم. وقيل: هو ما روى قيس بن عباد عن أبي ذر الغفاري أنه كان يحلف بالله أن هذه الآية نزلت في ستة نفر من قريش تبارزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن المغيرة.

السابقالتالي
2 3 4 5