الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية. لما قال:وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [الحج: 16] أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه. واعلم أن (إن) الثانية واسمها وخبرها في محل رفع خبراً لـ " أن " الأولى قال الزمخشري: وأدخلت " إنَّ " على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد ونحوه قول جرير:
3751- إنَّ الخَلِيفَة إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ   سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الخَوَاتِيم
قال أبو حيان: وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية، وكذلك قرنه الزجاج بالآية، ولا يتعين أن يكون البيت كالآية، لأن البيت يحتمل أن يكون (إن الخليفة) خبره (به ترجى الخواتيم) ويكون (إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ) جملة اعتراض بين اسم (إنَّ) وخبرها بخلاف الآية فإنه يتعين قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } وحسن دخول " إن " على الجملة الواقعة خبراً لطول الفصل بينهما بالمعاطيف. قال شهاب الدين: قوله: فإنه يتعين قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } يعني أن يكون خبراً. ليس كذلك، لأن الآية محتملة لوجهين آخرين ذكرهما الناس:

الأول: أن يكون الخبر محذوفاً تقديره: يفترقون يوم القيامة ونحوه، والمذكور تفسير له كذا ذكره أبو البقاء.

والثاني: أن " إن " الثانية تكرير للأولى على سبيل التوكيد، وهذا ماش على القاعدة وهو أن الحرف إذا كرر توكيداً أعيد معه ما اتصل به أو ضمير ما اتصل به، وهذا قد أعيد معه ما اتصل به أولاً، وهي الجلالة المعظمة فلم يتعين أن يكون قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } خبراً لـ " إنَّ " الأولى كما ذكر. واختلف العلماء في المجوس، فقيل: قوم يعبدون النار، وقيل: الشمس والقمر وقيل: اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح، وقيل: أخذوا من دين النصارى شيئاً ومن دين اليهود شيئاً، وهم القائلون بأن للعالم أصلان، نور وظلمة، وقيل هم قوم يستعملون النجاسات، والأصل: نجوس - بالنون - فأبدلت ميماً.

ومعنى { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } أي: يحكم بينهم، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي: عالم بما يستحقه كل منهم، فلا يجري في ذلك الفصل ظلم ولا حيف.

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ } الآية. قيل المراد بهذه الرؤية العلم، أي: ألم تعلم، وقيل: ألم تر بقلبك. والمراد بالسجود: قال الزجاج: أنها مطيعة لله تعالى كقوله تعالى للسماء والأرضٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11]،أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82]وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [البقرة: 74]،وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } [الإسراء: 44]،وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } [الأنبياء: 79]. والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع ما يحدثه الله تعالى فيها من غير امتناع أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود.

فإن قيل: هذا التأويل يبطله قوله تعالى { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، فإن السجود بالمعنى المذكور عام في كل الناس، فإسناده إلى كثير منهم يكون تخصيصاً من غير فائدة.

السابقالتالي
2 3