الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية. لما بين في الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبودهم، وأن معبودهم لا ينفع ولا يضر بين هاهنا صفة عباده المؤمنين وصفة معبودهم، وأن عبادتهم حقيقة، ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة، التي من كمالها جمعها بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار، وبين أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالىفَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } [النساء: 173]. واحتج أهل السنة في خلق الأفعال بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } قالوا: أجمعنا على أنه تعالى يريد الإيمان، ولفظة " ما " للعموم فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان لقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.

وأجاب عنه الكعبي بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله (لا ما يريد أن يفعله) غيره.

وأجيب: بأن هذا تقييد للعموم وهو خلاف النص.

قوله: { مَن كَانَ يَظُنُّ }. " مَنْ " يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر، وأن تكون موصولة، والضمير في " يَنْصُرَهُ " الظاهر عوده على " مَنْ " ، وفسر النصر بالرزق، وقيل يعود على الدين والإسلام فالنصر على بابه.

قال ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختيار الفراء والزجاج: أن الضمير في " يَنْصُرَهُ " يرجع إلى محمد - عليه السلام - يريد أن من ظن أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته، والانتقام ممن كذبه، والرسول - عليه السلام - وإن لم يجر له ذكر في هذه الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله.

قوله: " فَلْيَمْدُد " إما جزاء للشرط، أو خبر للموصول، والفاء للتشبيه بالشرط. والجمهور على كسر اللام من " ليَقْطَعْ " ، وسكنها بعضهم كما يسكنها بعد الفاء والواو لكونهن عواطف، ولذلك أجروا " ثم " مجراهما في تسكين هاء (هو) و(هي) بعدها، وهي قراءة الكسائي ونافع في رواية قالون عنه.

قوله: { هَلْ يُذْهِبَنَّ } الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط الخافض، لأن النظر تعلق بالاستفهام، وإذا كان بمعنى الفكر تعدى بـ " في ".

وقوله: { مَا يَغِيظُ } " ما " موصولة بمعنى الذي، والعائد هو الضمير المستتر، و " ما " وصلتها مفعول بقوله: " يُذْهِبَنَّ " أي: هل يذهبن كيده الشيء الذي يغيظه، فالمرفوع في " يغيظه " عائد على الذي والمنصوب على { مَن كَانَ يَظُنُّ }. وقال أبو حيان: و " ما " في " مَا يَغِيظُ " بمعنى الذي والعائد محذوف أو مصدرية.

السابقالتالي
2 3