الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

قوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الآية. لمَّا ذَكَرَ أَمْرَ الأُمَّةِ وتفرقهم، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله: { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } لا نجحد ولا نبطل سعيه.

والكفران مصدر بمعنى الكفر، قال:
3733- رَأَيْتُ أُنَاساً لاَ تَنَامُ خُدُودُهُمْ   وَخَدِّي وَلاَ كُفْرَانَ لِلَّهِ نَائِمُ
و " لِسَعْيِهِ " متعلق بمحذوف، أي: نكفر لسعيه، ولا يتعلق بـ " كُفْرَانَ " لأنه يصير مطولاً، والمطول ينصب وهذا مبني. والضمير في " لَهُ " يعود على السعي. والمعنى: لا بطلان لثواب عمله، وهو كقوله:وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [الإسراء: 19].

فالكفران مثل في حرمان الثواب، والشكر مثل في إعطائه.

فقوله: " فَلاَ كُفْرَانَ " المراد نفي الجنس للمبالغة، لأنَّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها. ثم قال: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي: لسعيه كاتبون إمَّا في أم الكتاب، أو في الصحف التي تعرض يوم القيامة، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات.

قوله تعالى: { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قرأ الأخوان وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو " وَحِرْمُ " بكسر الحاء وسكون الراء وهما لغتان كالحِلّ والحَلاَل.

وقرأ ابن عباس وعكرمة " وحَرِمَ " بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم على أنه فعل ماض وروي عنهما أيضاً وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضم الراء بزنة كَرُم، وهو فعل ماض أيضاً. (وروي عن ابن عباس أيضاً فتح الجميع وهو فعل ماض أيضاً). وعن اليماني بضم الحاء وكسر الراء (مشددة وفتح الميم ماضياً مبنياً للمفعول. وروى عكرمة بفتح الحاء وكسر الراء) وتنوين الميم.

فمن جعله اسماً ففي رفعه وجهان:

أحدهما: أنه مبتدأ، وفي الخبر حينئذ ثلاثة أوجه:

أحدها: قوله: " لا يَرْجِعُونَ " وفي ذلك حينئذ أربعة تأويلات:

التأويل الأول: أن " لا " زائدة، والمعنى: وممتنع على قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم رجوعهم إلى الإيمان إلى أن تقوم الساعة. وممن ذهب إلى زيادتها أبو عمرو مستشهداً عليه بقوله تعالى:مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12] يعني أحد القولين.

التأويل الثاني: أنها غير زائدة، وأن المعنى: أنهم غير راجعين عن معصيتهم وكفرهم.

التأويل الثالث: أنَّ الحرام قد يراد به الواجب، ويدل عليه قوله تعالى:قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ } [الأنعام: 151] وترك الشرك واجب ويدل عليه قول الخنساء:
3743- وَإِنَّ حَرَاماً لا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِياً   عَلَى شَجْوِةِ إلاَّ بَكَيْتُ عَلَى صَخْر
أي: واجباً. وأيضاً فمن الاستعمال إطلاق أحد الضدين على الآخر، وهو مجاز مشهور قال تعالى:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40] ومن ثمَّ قال الحسن والسدي: لا يرجعون عن الشرك.

السابقالتالي
2 3 4 5