قوله تعالى: { وَٱلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } الآية. يجوز أن ينتصب قوله: " وَالَّتِي " نسقاً على ما قبلها، وأن ينتصب بإضمار اذكر، وأن يرتفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي: وفيما يتلى عليكم التي أحصنت. ويجوز أن يكون الخبر " فَنَفَخْنَا " وزيدت الفاء على رأي الأخفش نحو زيد فقائم. وفي كلام الزمخشري: نفخنا الروح في عيسى فيها. قال أبو حيان مؤاخذاً له: فاستعمل " نفخ " متعدياً والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى سماع، وغير متعد استعمله هو في قوله؛ أي: نفخت في المزمار. انتهى ما آخذه به. قال شهاب الدين: وقد سمع " نفخ " متعدياً، ويدل على ذلك ما قرىء في الشاذ " فانفخها فَيَكُونُ طَائِراً " ، وقد حكاها هو قراءة، فكيف ينكرها. فعليك بالالتفات إلى ذلك. وقال ابن الخطيب: جعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل - عليه السلام - لأنه نفخ في جيب درعها، فوصل النفخ إلى جوفها أي: أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها، وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها وأضاف الروح إليه تشريفاً لعيسى (- عليه السلام -). ومعنى " أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا " أي: إحصاناً كلياً من الحلال والحرام جميعاً كما قالت:{ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } [مريم: 20]. وقيل: منعت جبريل جيب درعها قبل أن تعرفه. والأول أولى لأنه الظاهر من اللفظ. قوله: { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلعَالَمِينَ } أما مريم فآياتها كثيرة: إحداها: ظهور الحبل فيها لا من ذكر، وذلك معجزة خارجة عن العادة. وثانيها: أنَّ رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة لقول زكريا:{ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 37]. وثالثها: ورابعها: قال الحسن: أنها لم تلتقم ثدياً قط، وتكلمت هي أيضاً في صباها كما تكلم عيسى. وأما آيات عيسى - عليه السلام - فقد تقدم بيانها فإن قيل: هلا قيل آيتين كما قال:{ وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ } [الإسراء: 12] ليطابق المفعول؟ فالجواب: أنَّ كلاًّ منهما آية بالآخر فصارا آية واحدة، لأنّ حالهما بمجموعهما آية واحدة، وهي ولادتها إياه من غير فحل. أو تقول: حذف من الأول لدلالة الثاني، أو بالعكس أي: وجعلنا ابن مريم آية وأمه كذلك، وهو نظير الحذف في قوله:{ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] وقد تقدم. أو أنّ معنى الكلام: جعلنا شأنهما وأمرهما آية.