الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } الآية. " ذَا " بمعنى صاحب و " النون " الحوت. ويجمع على نِينَان كحوت وحيتان والمراد بذي النون يونس - عليه السلام - وسمي بذلك، لأنَّ النون ابتلعه. وقد تقدم أن الاسم إذا دار بين أن يكون مفيداً ولقباً فحمله على المفيد أولى خصوصاً إذا علمت الفائدة التي لذلك الوصف.

قوله: " مُغَاضِباً " حال من فاعل " ذَهَبَ " والمفاعلة هنا تحتمل أن تكون على بابها من المشاركة، أي: غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر، وفي بعض التفاسير: مغاضباً لربه فإن صح ذلك عمن يعتبر قوله، فينبغي أن تكون اللام للتعليل لا التعدية للمفعول، أي: لأجل ربه ولدينه.

ويحتمل أن يكون بمعنى غضبان، فلا مشاركة كعاقبت وسافرت. والعامة على " مُغَاضِباً " اسم فاعل. وقرأ أبو شرف " مُغَاضَباً " بفتح الضاد على ما لم يسم فاعله كذا نقله أبو حيان. ونقله الزمخشري عن أبي شرف " مُغْضباً " دون ألف من أغضبته فهو مغضب.

قوله: " أن لَّن " " أن " هذه المخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و " لَن نَقْدِرَ " هو الخبر، والفاصل حرف النفي. والمعنى: لن نضيق عليه كقوله:فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [الفجر: 16]وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [الطلاق: 7]. والعامة على " نَقْدِرَ " بنون العظمة مفتوحة وتخفيف الدال، والمفعول محذوف أي: الجهات والأماكن.

وقرأ الزهري بضمها وتشديد الدال. وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب " يُقْدَر " بضم الياء من تحت، وفتح الدال خفيفة مبنياً للمفعول. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بفتح الياء وكسر الدال خفيفة وعلي بن أبي طالب واليماني بضم الياء وكسر الدال مشددة.

والفاعل على هذين الوجهين ضمير يعود على الله تعالى.

قوله: { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتََ } يجوز في " أَنْ " وجهان:

أحدهما: أنها المخففة من الثقيلة فاسمها كما تقدم محذوف، والجملة المنفية بعدها الخبر.

والثاني: أنها تفسيرية، لأنَّها بعد ما هو بمعنى القول دون حروفه.

فصل

معنى الآية: واذكر صاحب الحوت، وهو يونس بن متى { إذْ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } قال ابن عباس: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين، فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً، وبقي سبطان ونصف، فأوحى الله إلى شعيا النبي أن اذهب إلى حزقيل الملك، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً أميناً، فإني ألقي في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل. فقال الملك: ومن ترى؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال: يونس بن متى فإنه قوي أمين، فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج، فقال يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6