الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }

قوله تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } الآية.

قوله: " وَأَيُّوبَ " كقوله: " وَنُوحاً " [الأنبياء:76]وما بعده. وقرأ العامة " أَنِّي " بالفتح لتسلط النداء عليها بإضمار حرف الجر بأني. وعيسى بن عمر بالكسر فمذهب البصريين إضمار القول أي: نادى فقال: إني ومذهب الكوفيين أجرى النداء مجرى القول. والضُّرّ بالضم المرض في البدن وبالفتح الضرر في كل شيء فهو أعم من الأول.

فصل

قال وهب بن منبه: كان أيوب - عليه السلام - رجلاً من الروم، وهو أيوب بن أنوص بن زارح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران، وكان الله قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا، وكانت له البَثَنِيَّة من أرض الشام كلها سهلها وجبلها، وكان له فيها من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر والبساتين ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة والأهل والولد من الرجال والنساء، وكان رحيماً بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل. وكان معه ثلاثة نفر قد ءَامنوا به، وعرفوا فضله؛ قال: كان أحدهم من أهل اليمن يقال له: اليقن، ورجلان من أهل بلدة يقال لأحدهما: يلدد، والآخر ضافر، وكانوا كهؤلاء.

وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى، فحجب من أربع، فما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - حجب من الثلاث الباقية، فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه فأدركه البغي والحسد، فصعد سريعاً حتى وقف من السماء موقفاً كان يقفه، فقال: إلهي نظرت في عبدك أيوب فوجدته عبداً أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج من طاعتك. فقال الله - تعالى -: انطلق فقد سلطتك على ماله فانقض عدو إبليس حتى وقع إلى الأرض، ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين، وقال لهم: ماذا عندكم من القوة فإني سلطت على مال أيوب؟ فقال عفريت من الشياطين: أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصاراً من نار فأحرق كل شيء، فقال له إبليس: فأت الإبل ورعاتها فذهب فأتى الإبل حين وضعت رؤوسها وانبثت في مراعيها، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصاراً من نار لا يدنو منه أحد إلا احترق، فأحرق الإبل ورعاتها حتى أتى على آخرها. ثم جاء إبليس في زي بعض الرعاة إلى أيوب، فوجده قائماً يصلي، فقال: يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري فقال أيوب: الحمد لله الذي هو أعطاها وهو أخذها، وقديماً وطّنْتُ نفسي ومالي على الفناء، فبقي الناس مبهوتين متعجبين، فمن قائل يقول: ما كان أيوب يعبد شيئاً، وما كان إلا في غرور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8