الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } * { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }

قوله تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } الآية. تقدم الكلام على الإعراب.

واعلم أَنَّ المقصود ذكر نعم الله على داود وسليمان، فذكر أولاً النعمة المشتركة بينهما ثم ذكر ما يخصّ كل واحد منهما من النعم. أما النعمة المشتركة فهي قصة الحكومة، وهو أن الله زينهما بالعلم والفهم في قوله: { وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } قال أكثر المفسرين: المراد بالحرث الزرع. وقال ابن مسعود وابن عباس: كان الحرث كرماً قد تدلت عناقيده. { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعته ليلاً فأفسدته؛ والنَّقْشُ: الرعي بالليل. قاله ابن السكيت، وهو قول جمهور المفسرين. والنَّفْشُ: الانتشار، ومنهكَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [القارعة: 5] ونفشت الماشية أي: رعت ليلاً بغير راع، عكس الهَمَل وهو رعيها نهاراً بلا راع. وعن الحسن: أنَّ النفش هو الرعي بلا راع ليلاً كان أو نهاراً.

قوله: { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } في الضمير المضاف إليه " حُكْم " أوجه:

أحدها: أنه ضمير جمع يراد به المثنى، وإنما وقع الجمع موقع التثنية مجازاً، أو لأن التثنية جمع وأقل الجمع اثنان، ويدل على أنَّ المراد التثنية قراءة ابن عباس " لِحُكْمِهما " بصيغة التثنية.

الثاني: أنَّ المصدر مضاف للحاكِمين والمحكوم له والمحكوم عليه، فهؤلاء جماعة.

وهذا يلزم منه إضافة المصدر لفاعله ومفعوله دفعة واحدة، وهو إنما يضاف لأحدهما فقط. وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن الحقيقة إضافة المصدر لفاعله، والمجاز إضافته لمفعوله.

الثالث: أنَّ هذا مصدر لا يراد به الدلالة على علاج، بل جيء به للدلالة على أنَّ هذا الحدث وقع وصدر كقولهم: له ذكاء ذكاء الحكماء، وفهم فهم الأذكياء فلا ينحل بحرف مصدري وفعل، وإذا كان كذلك فهو مضاف في المعنى للحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه، ويندفع المحذوران المذكوران.

قوله: " فَفَهَّمْنَاهَا ". قرأ العامة " فَفَهَّمْنَاهَا " بالتضعيف الذي للتعدية، والضمير للمسألة أو للفتيا.

وقرأ عكرمة: " فَأَفْهَمْنَاهَا " بالهمزة عداه بالهمزة كما عدّاه العامة بالتضعيف.

فصل

قال أكثر المفسرين: دخل رجلان على داود - عليه السلام - أحدهما: صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن غنم هذا دخلت في حرثي ليلاً فأفسدته، فلم يبق منه شيئاً، فقال داود: اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان، فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه، فقال: لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا. وروي أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود، فدعاه، فقال: كيف تقضي، وروي أنه قال له: بحق النبوة والأبوة إلاّ أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، فقال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى أهله، وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود: القضاء ما قضيت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9