الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }

فلما ألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ ءَالِهَتَكُمْ } ليس في القرآن من القائل ذلك، والمشهور أنه نمروذ بن كنعان بن سنجاريب بن نمروذ بن كوش بن حام بن نوح. وقال مجاهد: سمعت ابن عمر يقول: إنما أشار بتحريق إبراهيم رجل من الأكراد من فارس.

روى ابن جريج عن وهب عن شعيب قال: إن الذي قال حرقوه اسمه هرين فخسف الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

فصل

قال مقاتل: لما اجتمع نمروذ وقومه لإحراق إبراهيم حبسوه في بيت وبنوا له بنياناً كالحظيرة، وذلك قوله:قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 97]. ثم جمعوا له الحطب الكثير، حتى إنَّ الرجل أو المرأة لو مرضت قالت: إن عافاني الله لأجمعن حطباً لإبراهيم. وقيل: بنوا آتوناً بقرية يقال لها كوثى.

ثم جمعوا له أصلاب الحطب من أصناف الخشب مدة أربعين يوماً، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها، فتلقيه فيه احتساباً في دينها، فلما اشتعلت النار، واشتدت حتى أن كانت الطير لتمر به وهي في أقصى الجو فتحترق من شدة وهجها. روي أنَّهم لم يعلموا كيف يلقوه فيها؟ فجاء إبليس وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه. وقيل: صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له: هيزن، وكان أول من صنع المنجنيق، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. ثم عمدوا إلى إبراهيم - عليه السلام - فوضعوه فيه مقيداً مغلولاً، فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة صيحة واحدة: أي ربنا ما في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم، وإنه يحرق فيك فأذن لنا في نصرته، فقال سبحانه: " إن استغاث بأحد منكم أو دعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري فانا أعلم به وأنا وَليُّهُ فخلوا بيني وبينه، فإنه خليل ليس لي خليل غيره وأنا إلهه ليس له إله غيري ".

فلما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه فقال: إن أردت أخمدت النار. وأتاه خازن الرياح فقال: إن شئت طيرت النار في الهواء.

فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض من يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل.

قال ابن عباس:حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [آل عمران: 173] قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قيل له:إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } [آل عمران: 173، 174] فحين ألقي في النار قال: " لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ".

السابقالتالي
2 3 4 5