الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }

وأما الفعل فقوله: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } لأمكرن بها. قرأ العامة " تَاللهِ " بالتاء المثناة فوق. وقرأ معاذ بن جبل، وأحمد بن حنبل بالباء الموحدة. قال الزمخشري: فإنْ قُلْتَ: ما الفرق بين التاء والباء؟ قلتُ: الباء هي الأصل، والتاء بدل من الواو المبدل منها، وأنَّ التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه. أما قوله: إنَّ الباء في الأصل فيدل على ذلك تصرفها في الباب بخلاف الواو والتاء، وإن كان السُّهيلي قد ردَّ كون الواو بدلاً منها.

وقال أبو حيان: النظر يقتضي أن كلاً منهما أصل. وأما قوله: التعجب فنصوص النحويين أنه يجوز فيها التعجب وعدمه، وإنما يلزم ذلك مع اللام كقوله:
3727- لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ   بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيانُ والآسُ
و " بَعْدَ " منصوب بـ " لأكِيدَنَّ " ، و " مُدْبِرِينَ " حال مؤكدة، لأن " تُوَلُّوا " يفهم معناها. وقرأ العامة " تُوَلُّوا " بضم التاء واللام مضارع (وَلَّى) مشدداً.

وقرأ عيسى بن عمر " تَوَلَّوا " بفتحهما مضارع (تَوَلَّى)، والأصل: تتولوا فحذف إحدى التاءين إمَّا الأولى على رأي هشام، وإمَّا الثانية على رأي البصريين وينصرها قراءة الجميع { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } [الصافات:90]، ولم يقرأ أحد " تُوَلُّوا " وهي قياس قراءة الناس هنا، وعلى كلتا القراءتين فلام الكلمة محذوفة، وهو الياء، لأنه من " وَلَّى " ، ومتعلق هذا الفعل محذوف تقديره: تولوا إلى عيدكم ونحوه. فإن قيل: الكيد ضرر الغير بحيث لا يشعر به ولا يتأتى ذلك في الأصنام فكيف قال: " لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم "؟

فالجواب: توسعاً لما كان عندهم أنَّ الضرر يجوز عليها، وقيل: المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل أنزل بهم الغم.

قوله: " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ". قرأ العامة " جُذَاذاً " بضم الجيم، والكسائي بكسرها وابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها. قال قطرب: هي في لغاتها كلها مصدر، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث والظاهر أنَّ المضموم اسم للشيء المكسر كالحطام والرفات والفتات بمعنى الشيء المحطم والمفتت. وقال اليزيدي: المضموم جمع جُذَاذَة بالضم نحو زجاج في زجاجة، والمكسور جمع جَذِيذ نحو كِرَام في كَرِيم. وقال بعضهم: المفتوح مصدر بمعنى المفعول أي: مَجْذوذِينَ. ويجوز على هذا أن يكون على حذف مضاف أي: ذوات جذاذ.

وقيل: المضموم جمع جُذَاذَة بالضم، والمكسور جمع جِذَاذَة بالكسر، والمفتوح مصدر وقرأ ابن وثاب " جُذُذاً " بضمتين دون ألف بين الذالين، وهو جمع جَذِيذ كقَلِيب وقُلُبٍ. وقرىء بضم الجيم وفتح الذال، وفيها وجهان:

أحدهما: أن يكون أصلها ضمتين، وإنما خففت بإبدال الضمة فتحة نحو سُرَر وذُلَل في جمع سرير وذليل، وهي لغة لبني كلب.

السابقالتالي
2 3 4