الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

قوله: { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } أي: أخوفكم بالقرآن وقوله: " وَلا يَسْمَعُ " قرأ ابن عامر هنا " وَلاَ تُسْمِعُ " بضم التاء للخطاب وكسر الميم، " الصُّمَّ الدُّعَاءَ " منصوبين. وقرأ ابن كثير في النمل والروم. وقرأ باقي السبعة بفتح ياء الغيبة والميم " الصُّمُّ " بالرفع " الدُّعَاءَ " بالنصب في جميع القرآن.

وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلا أنه بياء الغيبة. وروى عنه ابن خالويه " وَلاَ يُسْمَعُ " بياء الغيبة مبنياً للمفعول " الصُّمُّ " رفعاً " الدُّعَاءَ " نصباً.

وروي عن أبي عمرو بن العلاء " وَلاَ يُسْمِعُ " بضم الياء من تحت وكسر الميم " الصُّمَّ " نصباً " الدُّعَاءُ " رفعاً.

فأما قراءة ابن عامر وابن كثير فالفاعل فيها ضمير المخاطب، وهو الرسول - عليه السلام -. فانتصب " الصُّمَّ " و " الدُّعَاءَ " على المفعولين، وأولهما هو الفاعل المعنوي.

وأما قراءة الجماعة فالفعل مسند للصّمّ فانتصب " الدُّعَاءَ " مفعولاً به. وأما قراءة الحسن الأولى فأسند الفعل فيها إلى ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي كقراءة ابن عامر في المعنى. وأما قراءته الثانية فأسند الفعل فيها إلى " الصُّمم " قائماً مقام الفاعل، فانتصب الثاني وهو " الدُّعَاءَ " وأما قراءة أبي عمرو فإنه أسند الفعل فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع وحذف المفعول الثاني للعلم به، والتقدير: ولا يسمع الدعاء الصم شيئاً البتة ولما وصل أبو البقاء إلى هنا قال: " وَلاَ يَسْمَعُ " فيه قراءات وجوهها ظاهرة ولم يذكرها. و " إذَا " في ناصبه وجهان:

أحدهما: أنه " يَسْمَعُ ".

والثاني: أنه " الدّعاء " فأعمل المصدر المعرف بـ (أل) وإذا أعملوه في المفعول الصريح ففي الظرف أولى.

قال الزمخشري: فإن قلت: الصم لا يسمعون دعاء المبشّر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل: { إِذَا مَا يُنذَرُونَ }؟ قلت: اللاّم في " الصُّم " عائدة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس، والأصل: ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدهم أسماعهم إذا أنذروا، أي أنتم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ عن الإنذار والآيات. ثم بيَّن تعالى أن حالهم سيتغير إلى أن يصيروا بحيث إذا شاهدوا اليسير مما أنذروا به، فعنده يسمعون ويعتذرون ويعترفون حيث لا ينتفعون، وهذا المراد بقوله: { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } وأصل النفح من الريح: اللين. قال الزمخشري: في المس والنفحة ثلاث مبالغات، لفظ المس، وما في النفح من معنى القلّة والنزارة يقال: نفحته الدابة: رمحته رمحاً يسيراً.

السابقالتالي
2 3 4