قوله تعالى: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ } الآية لما بين أن الكفار في الآخرة{ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِم ٱلنَّارَ } [الأنبياء:39] بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة، فقال لرسوله: " قُلْ " لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه { مَن يَكْلَؤُكُم بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه: من ينصرك مني؟ وهل لك مخلص؟ والكلاءة: الحفظ، أي يحفظكم بالليل والنهار " مِنَ الرَّحْمَـنِ " إن نزل بكم عذابه. يقال: كَلأَهُ الله يَكْلَؤُهُ كِلاَءَةً بالكسر كذا ضبطه الجوهري فهو كالىء ومكلوء. قال ابن هرْمة:
3717- إنَّ سُلَيْمَى وَاللهُ يَكْلَؤُهَا
ضَنَّتْ بِشَيءٍ مَا كَانَ يَزْرَؤُهَا
واكْتَلأْتُ منه: احترست، ومنه سُمِّيَ النبات كلأ، لأنَّ به تقوم بنية البهائم وتحرس. ويقال: بلغ الله بك أكلأ العمر. والمُكَلأُ موضع يحفظ فيه السفن. وفي الحديث: " نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِىء بَالكَالِىء " أي: بيع الدين بالدين كأنَّ كُلاًّ من رب الدينين يكلأ الآخر أي: يراقبه. (وقال ابن عباس: المعنى: مَنْ يمنعكم من عذاب الرحمن. وقرأ الزهري وابن القعقاع " يَكْلُوكُمْ " بضمة خفية دون همز. وحكى الكسائي والفراء " يَكْلَوْكُمْ " بفتح اللام وسكون الواو. قال شهاب الدين: ولم أعرفها قراءة. وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفاً إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف). قوله: " مِنَ الرَّحمنِ " متعلق بـ " يَكْلَؤُكُم " على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله:{ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الرعد: 11]. " وبِاللَّيْلِ " بمعنى في الليل، وإنما ذكر الليل والنهار، لأن كل واحد من الوقتين آفات تختص به، والمعنى: من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معاشكم. وخص هاهنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله:{ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [الانفطار: 6]. فخص اسم الكريم تلقيناً. قوله: " بَلْ هُمْ " إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي، إذ التقدير: ليس لهم كالىء ولا مانع غير الرحمن. والمراد بـ " ذِكْرِ رَبِّهِمْ " القرآن ومواعظ الله " مُعْرِضُونَ " لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم. قوله: { أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ } " أَمْ " منقطعة، أي بل ألهم؟ فالميم صلة والمعنى: ألهم آلهة تمنعهم، وقد تقدم ما فيها. وقوله: " من دُونِنَا " فيه وجهان: أحدهما: أنه متعلق بـ " تَمْنَعُهُمْ " قبل، والمعنى: ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز، وإلى هذا ذهب الحوفي.