الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

قوله تعالى: { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } الآية. في المراد بالإنسان قولان:

أحدهما: أنه النوع، وذلك أنهم كانوا يستعجلون العذاب { ويقولون متى هذا الوعد }. (والمعنى أن بنيته من العجلة وعليها طبع كما قال:وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [الإسراء: 11]). فإن قيل: مقدمة الكلام لا بد وأن تكون مناسبة للكلام وكون الإنسان مخلوقاً من العجل يناسب كونه معذوراً فيه فلم رتب على هذه المقدمة قوله: " فَلاَ تَسْتَعْجِلُون "؟

فالجواب أنه تعالى نبه بهذا على أن ترك الاستعجال حالة مرغوب فيها.

القول الثاني: أن المراد بالإنسان شخص معين، فقال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي والكلبي ومقاتل والضحاك: المراد آدم عليه السلام. وروى ابن جريج وليث بن أبي سليم قال: خلق آدم بعد كل شيء من آخر نهار يوم الجمعة، فلما دخل الروح رأسه ولم يبلغ أسفله نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل الروح جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فوقع فقيل { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } والقول الأول أولى، لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا لفظ الإنسان على النوع. قوله: " من عجل " فيه قولان:

أحدهما: أنه من باب القلب، والأصل: خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ لشدة صدوره منه وملازمته له وإلى هذا ذهب أبو عمرو، ويؤيده قراءة عبد الله: " خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ ". والقلب موجود في كلامهم قال الشاعر:
3714- حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخذُهُ   
يريد: حسرت السربال عن كفي.

ومثله في الكلام: إذا طلعت الشِّعرى استوى العود على الحِرْباء وقالوا: عرضت الناقة على الحوض، وتقدم منه أمثلة إلا أن بعضهم يخصه بالضرورة وتقدم فيه ثلاثة مذاهب.

والثاني: أنه لا قلب فيه، وفيه ثلاثة تأويلات أحسنها أن ذلك على المبالغة جعل ذات الإنسان كأنها خلقت من نفس العجلة دلالة على شدة اتصاف الإنسان بها، وأنها مادته التي أخذ منها كما قيل للرجل الذي هو حاد: نار تشعل والعرب قد تسمي المرء بما يكثر منه، فتقول: ما أنت إلا أكل ونوم، وما هو إلا إقبال وإدبار، قال الشاعر:
3715- تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حتى إذَا ادَّكرَتْ   فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ
ويتأكد هذا بقوله:وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [الإسراء: 11].

قال المبرد: { خُلِقَ ٱلإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي من شأنه العجلة كقولهخَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [الروم: 54] أي: ضُعَفاء. ومثله في المبالغة من جانب النفي قوله عليه السلام: " لست من الدَّدِ وَلاَ الدَّدُ مِنِّي " ، والدُّدُ: اللعب، وفيه لغات: دَدٌ محذوف اللام ودَدَا مقصوراً كعصا، ودَدَنٌ بالنون. وألفه في إحدى لغاته مجهولة الأصل لا يدري أهي عن ياء أو واو.

السابقالتالي
2 3