الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } الآية. لما استدل بالأشياء المذكورة، وهي من أصول النعم الدنيوية أتبعه بما يدل على أن هذه الدنيا أمرها كذلك يبقى ولا يدوم، وإنما خلقها سبحانه وتعالى للابتلاء والامتحان، وليتوصل بها إلى دار الخلود فقال: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ }.

قال مقاتل: إن ناساً كانوا يقولون: إن محمداً لا يموت فنزلت هذه الآية.

وقيل: كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون به في قولهم: نتربص بمحمد ريب المنون، فنفى الله عنه الشماتة بهذه الآية فقال: { أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } قضى الله تعالى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت ولا هم، وفي هذا المعنى قول القائل:
3713- فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا   سيلقى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
وقيل: يحتمل أنه لما أظهر أنه عليه السلام خاتم الأنبياء، وجاز أن يقدم مقدر أنه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه، فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السلام في الموت.

قوله: { أَفَإِيْن مِتَّ } تقدم نظيره في آل عمران عند قوله:أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ } [آل عمران: 144] وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه، وهو أنه إذا اجتمع شرط واستفهام أجيب الشرط، فتكون الآية قد دخلت فيها همزة الاستفهام على جملة الشرط والجملة المقترنة بالفاء جواب الشرط، وليست مصبًّا للاستفهام، وزعم يونس أن الاستفهام منصب على الجملة المقترنة بالفاء، وأن الشرط معترض بين الاستفهام وبينها، وجوابه محذوف. وليس بشيء إذ لو كان كما قال لكان التركيب: أفإن مت هم الخالدون بغير فاء. وكان ابن عطية ينحى منحى يونس فإنه قال: وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط.

قوله: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } هذا العموم مخصوص فإن له تعالى نفساً لقوله تعالى:تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [المائدة: 116] مع أن الموت لا يجوز عليه.

قال ابن الخطيب: وكذا الجمادات لها نفوس، وهي لا تموت، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولاً به فيما عدا هذه الأشياء، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت. واعلم أن الذوق ها هنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق، بل الذوق إذ ذاك خاص، فيجوز جعله مجازاً عن أصل الإدراك.

وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه، وحال وجوده يصير الشخص ميتاً، والميت لا يدرك شيئاً والإضافة في " ذَائِقَةُ المَوْتِ " في تقدير الانفصال، لأنه لما يستقبل، كقوله:غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } [المائدة: 1] وهَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95].

قوله: { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ } " نَبْلُوكُم " نختبركم " بالشَّر والخَيْرِ " بالشدة والرخاء، والصحة والسقم والغنى والفقر.

السابقالتالي
2 3