الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ }

قوله: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية. لما نفى اللعب عن نفسه، ونفي اللعب لا يصح إلا بنفي الحاجة، (ونفي الحاجة) لا يصح إلا بالقدرة التامة عقب تلك الآية بقوله: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لدلالة ذلك على كمال الملك والقدرة. وقيل: لما حكى كلام الطاعنين في النبوات، وأجاب عنها، وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد، وعدم الانقياد، بين ههنا أنه تعالى منزه عن طاعتهم لأنه هو المالك بجميع المخلوقات، ولأجل أن الملائكة مع جلالتهم مطيعون له خائفون منه فالبشر مع كونهم في نهاية الضعف أولى أن يطيعوه.

قوله: " وَمَنْ عِندَهُ " يجوز فيه وجهان:

أحدهما: أنه معطوف على " مَن " الأولى أخبر تعالى عن من في السموات والأرض وعن من عنده بأن الكل له في ملكه.

وعلى هذا فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على شرفه، لأن قوله: { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } شمل " مَنْ عِندَهُ " وقد مرَّ نظيره في قوله: " وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ " وقوله: " لاَ يَسْتَكْبرُونَ " على هذا فيه أوجه:

أحدها: أنه حال من " مَن " الأولى أو الثانية أو منهما معاً. وقال أبو البقاء حال إما من " مَن " الأولى أو الثانية على قول من رفع بالظرف.

يعني: أنه إذا جعلنا " مَن " في قوله: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } مرفوعاً بالفاعلية والرافع الظرف وذلك على رأي الأخفش جاز أن يكون " لا يَسْتَكْبِرُونَ " حالاً من " مَن " الأولى، وإما من " من " الثانية؛ لأن الفاعل يجيء منه الحال. ومفهومه: أنا إذا جعلناها مبتدأ لا يجيء " يَسْتَكْبِرُون " حالاً وكأنه يرى أن الحال لا يجيء من المبتدأ، وهو رأي لبعضهم. ويجوز أن يكون " لاَ يَسْتَكْبِرُون " حالاً من الضمير المستكن في (عنده) الواقع صلة وأن يكون حالاً من الضمير المستكن في " له " الواقع خبراً.

والوجه الثاني من وجهي " مَنْ " أن تكون مبتدأ و " لاَ يَسْتَكْبِرونَ " خبره، وهذه جملة معطوفة على جملة قبلها، وهل الجملة من قوله: { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } استئنافية أو معادلة لجملة قوله: " وَلَكُم الوَيْلُ " أي لكم الويل ولله جميع العالم علويه وسفليه والأول أظهر " وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ " أي: لا يكلون ولا يتعبون، يقال: استحسر البعير أي: كلَّ وتَعِب قال علقمة بن عبدة:
3706- بِهَا جِيَفُ الحَسْرَى فَأَمّا عِظَامُهَا   فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
ويقال: حَسِرُ البعر وحسرته أنا، فيكون لازماً ومتعدياً، وأحسرته أيضاً، فيكون فعل وأفعل بمعنى في أحد وجهي فعل.

قال الزمخشري: فإن قلت: الاستحسار مبالغة في الحسور، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور.

السابقالتالي
2 3