الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } * { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ }

قوله: " وَكَمْ قَصَمْنَا " " كَمْ " في محل نصب مفعولاً مقدماً بـ " قَصَمْنَا " و " مِنْ قَرْيَةٍ " تمييز، والظاهر أن " كَمْ " هنا خبرية، لأنها تفيد التكثير. والقصم: القطع وهو الكسر الذي يبين تلازم الأجزاء بخلاف الفصم.

قوله: " كَانَتْ ظَالِمَةً " في محل جر صفة لـ " قَرْيَةٍ " ، ولا بد من مضاف محذوف قبل " قَرْيَةٍ " أي: وكم قصمنا من أهل قرية بدليل عود الضمير في قوله: " فَلَمَّا أَحَسُّوا " ولا يجوز أن يعود على قوله " قوماً " لأنه لم يذكر لهم ما يقتضي ذلك.

فصل

لما حكى عنهم تلك الاعتراضات الساقطة، لكونها في مقابلة ما ثبت إعجازه، وهو القرآن ظهر لكل عاقل أن اعتراضهم كان لأجل حب الرياسة والدنيا.

والمراد بقوله: " قصمنا " أهلكنا. قال ابن عباس: المراد منه القتل بالسيوف، والمراد بالقرية: حضور وسحول باليمن ينسب إليهما الثياب، وفي الحديث: " كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوبين سحوليين " ، وروي " حضوريين " بعث الله إليهما نبياً فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم.

وروي " أنه لما أخذتهم السيوف ناداه مناد من السماء يا لثارات الأنبياء " فندموا واعترفوا بالخطأ، وقَالُواْ يَٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [الأنبياء:14].

وقال الحسن: المراد عذاب الاستئصال. وهذا أقرب، لأن إضافة ذلك إلى الله أقرب من إضافته إلى القائل، ثم بتقدير أن يحمل ذلك على عذاب القتل فما الدليل على الحصر في القريتين اللتين ذكرهما ابن عباس.

وقوله: " كَانَتْ ظَالِمَةً " أي كافرة، يعني أهلها " وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا " أي: أحدثنا بعد هلاك أهلها " قَوْماً آخَرِينَ ". { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } أي: عذابنا بحاسة البصر { إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي: يسرعون هاربين.

والركض ضرب الدابة بالرجل، يقال: ركض الدابة يركضها ركضاً، ومنه قوله تعالى: " ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ". فيجوز أن يركبوا دوابّهم فيركضوها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب. ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين.

قوله: " إِذَا هُم ": " إذَا " هذه فجائية، وتقدم الخلاف فيها.

و " هُم " مبتدأ، و " يَرْكُضُونَ " خبره. وتقدم أول الكتاب أن أمثال هذه الآية دالة على أن " لمَّا " ليست ظرفية بل حرف وجوب لوجوب، لأن الظرف لا بد له من عامل، ولا عامل هنا، لأن ما بعد " إذا " لا يعمل فيما قبلها. والجواب أنه عمل فيها معنى المفاجأة المدلول عليه بـ " إِذَا ".

السابقالتالي
2