الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله: { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } الآية.

لما أورد على الكافر الحجج في أن لا إله سواه، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بما يكون إنذاراً في مجاهدتهم والإقدام عليهم فقال: { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ } قوله: " أَنَّمَا إِلَهكُمْ " (أنَّ) وما في حيزها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل إذ التقدير: إنما يوحي إليّ وحدانية إلهكم. وقال الزمخشري: " إنّما " لقصر الحكم على شيء، أو لقصر الشيء على حكم كقولك: إنَّما زيد قائم، وإِنَّما يقوم زيد، وقد اجتمع المثلان في هذه الآية، لأن { إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ } مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد، و { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } بمنزلة إنَّما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أنَّ الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقصور على استئثار الله بالوحدانية.

قال أبو حيَّان: أما ما ذكره في " إنَّما " أنها لقصر ما ذكر فهو مبني على أن " إنّما " للحصر، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وأنّ " مَا " مع " إنَّ " كهي مع " كأن " ومع " لَعَلّ " فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه، ولا الحصر في الترجي، فكذلك لا تفيده مع " إنَّ " ، وأما جعله " أنَّما " المفتوحة الهمزة مثل المكسورتها يدل على القصر فلا نعلم الخلاف إلا في " إنَّما " بالكسر، وأما " أَنَّما " بالفتح فحرف مصدري ينسبك منه مع ما بعده مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة، ولو كانت " أنَّمَا " دالة على الحصر لزم أن يقال: أنه لم يوح إليَّ شيء إلا التوحيد، وذلك لا يصح الحصر فيه، إذ قد أوحي إليه أشياء غير التوحيد. قال شهاب الدين: الحصر بحسب كل مقام على ما يناسبه، فقد يكون هذا المقام يقتضي الحصر في إيحاء الوحدانية لشيء جرى من إنكار الكفار وحدانيته تعالى، وأنَّ الله لم يوح إليه شيئاً، وهذا كما أجاب الناس عن هذا الإشكال الذي ذكره الشيخ في قوله:إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ } [النازعات: 45]إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } [الكهف: 110]أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ } [الحديد: 20] إلى غير ذلك، و " مَا " من قوله: " إِنَّما يُوحَى " يجوز فيها وجهان:

أحدهما: أنْ تكون كافة. وقد تقدم.

والثاني: أنْ تكون موصولة كهي في قوله:إِنَّمَا صَنَعُواْ } [طه: 69]، ويكون الخبر هو الجملة من قوله { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } تقديره: أنّ الذي يوحى إليّ هو هذا الحكم. قوله: { فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ } استفهام معناه الأمر بمعنى: أسلموا، كقوله:فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] أي: انتهوا. قوله: { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } آذَنْتُكُمْ أعلمتكم، فالهمزة فيه للنقل، قال الزمخشري: آذن منقول من أذن: إذا علم، لكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار، ومنه قوله:

السابقالتالي
2 3