الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }

قوله: { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِريُّ }. " مَا خَطْبُكَ " مبتدأ وخبر، وتقدم الكلام على الخَطب في يوسف، ومعناه هنا: ما أمرك وشأنُك، أي ما حملك على ما صنعت.

وقال ابن عطيَّة هنا: إنه يقتضي إشهاراً، كأنه قال: ما نَحْسُكَ وما شُؤْمُك.

ورد عليه أبو حيَّان بقوله:قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [الحجر: 57]، [الذاريات: 31].

قوله: " بَصُرْتُ " يقال: بَصُر الشيء، أي: علمه، وأبصره أي: نظر إليه كذا قال الزجاج.

وقال غيره: بصر بالشيء وأبصره بمعنى: علمه. والعامة علم ضم الصاد في الماضي ومضارعه وقرأ الأعمش وأبو السمال " بَصِرتُ " بالكسر " يَبْصَرُوا " بالفتح وهي لغة.

وعمرو بن عبيد بالبناء للمفعول في الفعلين، أي أُعْلِمْتُ بما لم يعلموا به، وقرأ الأخوان " تَبْصَرُوا " خطاباً لموسى وقومه أو تعظيماً له كقوله:إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [البقرة:231،232].
3686- حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ   
والباقون بالغيبة من قومه والعامة على فتح القاف من " قَبْضَة " وهي المرة من القبض.

قال الزمخشري: وأما القبضة فالمرة من القبض، وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر.

قال شهاب الدين: والنحاة يقولون: إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء تقول: هذه حلةٌ نسجُ اليمن، ولا تقول: نسجة اليمن، ويعترضون بهذه الآية، ثم يجيبون بأن الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد لا على مجرد التأنيث، وهذه التاء دالة على مجرد التأنيث، وكذلك قوله:وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ } [الزمر: 67].

وقرأ الحسن " قُبْضَةً " بضم القاف وهي كالغُرْفَة والمُضْغَة في معنى المغروف والمقبوض. وروي عنه " قُبْصَة " بالصاد المهملة. والقَبْض بالمعجمة بجمع الكف، وبالمهملة بأطراف الأصابع، وله نظائر كالخضم وهو الأكل بجميع الفم والقضم بمقدمه، والقضم قطع بانفصال والفصم بالفاء باتصال، وقد تقدَّم شيء من ذلك في البقرة. وأدغم ابن محيصن الضاد المعجمة في تاء المتكلم مع إبقائه الإطباق. وأدغم الأخوان وأبو عمرو الذال في التاء من " فَنَبَذْتُهَا ".

فصل

لما أجاب هارون أخاه موسى بالجواب المتقدم أقبل موسى على السامريّ وقال له: " مَا خَطْبُكَ " أي: ما حملَكَ على ما فعلتَ؟ فقال: { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي: رأيت ما لم يروا بنو إسرائيل وعرفت ما لم يعرفوا.

قال ابن عباس: علمتُ ما لم يعلموا، ومنه قولهم: رجل بصيرٌ، أي: عالم قاله أبو عبيدة وأراد أنه رأى جبريل عليه السلام فأخذ من موضع حافر دابته قبضةً من تراب، فقال: { فَقَبَضْتُّ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ }.

وقرأ ابن مسعود: " مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ " والمراد بالرسول جبريل - عليه السلام - (عند عامَّة المفسرين، وأراد بأثره التراب الذي) أخذه من موضع حافر دابته لما رآه يوم فلق البحر.

السابقالتالي
2 3