الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } * { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } * { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي }

قوله: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَٰرُونُ مِن قَبْلُ } إنما قال ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق، أما شفقته على نفسه، فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مأموراً من عند أخيه موسى - عليه السلام -ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 142]، فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن المنكر كان مخالفاً لأمر الله ولأمر موسى وذلك لا يجوز. وأما الشفقة على الخلق فلأن الإنسان يجب أن يكون مشفقاً على خلق الله خصوصاً على أبناء جنسه، وأي شفقة أعظم من أن يرى جَمعاً يتهافتون على النار فيمنعهم منها. ولمَّا ثبت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشفقة على المسلمين واجب، ثم إن هارون - عليه السلام - رأى القوم متهافتين على النار فلم يبال بكثرتهم بل صرح بالحق فقال: { يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ }.

(واعلم أن هارون عليه السلام سَلَكَ في هذا الوعط أحسن الوجوه، لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله: { إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ } ، ثم دعاهم إلى معرفة الله ثانياً بقوله: { وَإِنَّ رَبَّكُم ٱلرَّحْمَـنُ } ) ثم دعا إلى ثالثاً إلى النبوة بقوله: " فَاتَّبِعُونِي " ثم دعاهم رابعاً بقوله " وَأَطِيعُوا أَمْرِي ".

وهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة الله تعالى، فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة، فثبت أن هذا الترتيب أحسن الوجوه. وإنما قال: { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـنُ } فخص هذا الموضع باسم الرحمن، تنبيهاً على أنهم متى تابوا قَبِلَ الله توبتهم، لأنه هو الرحمن، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون، ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في الاستدلال بالتقليد فقالوا: { لَن نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } كأنهم قالوا: لا نقبل حجتك ولكن نقبل قول موسى، وهذه عادة المقَلِّدِ.

قوله: " إِنَّما فُتِنتُم ".

قرأ العامة: " إِنَّما فُتِنتُم " { وإنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـنُ } بالكسر فيهما، لأنها بعد القول لا بمعنى الظن وقرأت فرقة بفتحهما، وخُرِّجت على لغة سُلَيْم، وهي أنهم يفتحون " أنَّ " بعد القول مطلقاً.

وقرأ أبو عمرو في رواية الحسن وعيسى بن عمر بفتح " أنَّ ربَّكُمْ " فقط، وخرجت على وجهين:

أحدهما: أنها وما بعدها في تأويل مصدر في محل رفع خبراً لمبتدأ محذوف تقديره: والأمر أنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ، فهو من عطف الجمل لا من عطف المفردات.

والثاني: أنها مجرورة بحرف مقدر، أي: لأنَّ رَبَّكُم الرَّحْمنُ.

" فَاتَّبِعُونِي " وقد تقدم القول في نظير ذلك بالنسبة إلى هذه الفاء.

فصل

لمَّا قالوا لهارون { لَن نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } أي: مقيمين على عبادة العجل { حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } اعتزلهم هارون في اثني عشر ألفاً الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة، وكانوا يرقصون حول العِجْل قال للسبعين الذين معه: هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله.

السابقالتالي
2 3