الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ }

قوله: " وَمَا أَعْجَلَكَ " مبتدأ وخبر. و " مَا " استفهامية عن سبب التقدم على قومه.

قال الزمخشري: فإن قلتَ: " مَا أَعْجَلَكَ " سؤال عن سبب العجلة، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلبُ زيادة رضَاكَ، أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك. وقوله: { هُمْ أُوْلاَءِ عَلَىٰ أَثَرِي } كَمَا تَرَى غير منطبق عليه.

قلت: قد تضمَّن ما واجهه به رب العزة شيئين:

أحدهما: إنكار العجلة في نفسها.

والثاني: السؤال عن سبب التقدم والحامل عليه، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر، وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه فاعتلَّ بأنَّه لم يوجد منِّي إلا تقدمٌ يسير مثله لا يعتد به في العادة، ولا يحتفل به، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمتهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }.

وأجاب غيره عن هذا السؤال بأنه - عليه السلام - ورد عليه من هيبة عتاب الله ما أذهله عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام.

فصل

في الآية سؤالات:

الأول: قوله: " وَمَا أَعْجَلَكَ " استفهام، وهو على الله تعالى محال.

والجواب: أنه إنكار في صيغة الاستفهام ولا امتناع فيه.

الثاني: أنَّ موسى - عليه السلام - إما أن يقال: إنَّه كان ممنوعاً عن ذلك التقدم، أو لم يكن ممنوعاً عنه، فإن كان ممنوعاً كان ذلك التقدم معصية فيلزم وقوع المعصية من الأنبياء، وإن لم يَكُنْ ممنوعاً كان ذلك الإنكار غير جائز.

والجواب: لعله - عليه السلام - ما وجد نصًّا في ذلك إلا أنَّه باجتهاده تقدم فأخطأ في ذلك الاجتهاد فاستوجب العتاب.

الثالث: قوله: " وَعَجِلْتُ " والعجلة مذمومة.

والجواب: أنها ممدوحة في الدين قال الله تعالى:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ } [آل عمران: 133].

الرابع: قوله: " لِتَرْضَى " يدل على أنَّه - عليه السلام - إنَّما فعل ذلك ليحصل الرِّضا لله تعالى، وذلك باطل من وجهين:

أحدهما: يلزم تجدد صفة الله.

والآخر: أنه - تعالى - قبل حصول ذلك الرضا يجب أن يقال: (إنَّه ما) كان راضياً عن موسى، لأنَّ تحصيل الحاصل محال، ولما لَمْ يكن راضياً عنه وجب أن يكون ساخطاً عليه، وذلك لا يليق بحال الأنبياء.

والجواب المراد تحصيل دوام الرضا كقوله: " ثُمَّ اهْتَدَى " المراد دوام الاهتداء.

الخامس: قوله { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عيَّنه الله له وإلا لم يكن تعجيلاً، ثم ظن أنَّ مخالفة أمر الله سبب لتحصيل رضاه، وذلك لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن كليم الله.

السابقالتالي
2 3