الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } * { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } * { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } الآية. وفي هذه الآية دلالة على أنَّ موسى - عليه السلام - في تلك (الحال كثرة مستجيبوه) فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون، فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسُّرَى سَيْرُ الليل، والإسراء مثله والحكمة في السُّرَى بهم: لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادِهم، أو ليكون ذلك عائقاً لفرعون عن طلبه ومتبعيه أو ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكرُ موسى عسكرَ فرعون فلا يهابونهم.

قوله: { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً } في نصب " طريقاً " وجهان:

أحدهما: أنَّه مفعولٌ به، وذلك في سبيل المجاز، وهو أنَّ الطريقَ متسبَّبٌ عن ضرب البحر، إذ المعنى: اضرب البحرَ لينفلق لهم فيصير طريقاً فبهذا يصح نسبة الضرب إلى الطريق. وقيل: ضرب هنا بمعنى جعل، أي: اجعَلْ لهم طريقاً وأشرعه فيه.

والثاني: أنه منصوب على الظرف، قال أبو البقاء: التقدير موضع طريق فهو مفعول به على الظاهر، ونظيره قوله: أن اضْرِب بِعَصَاكَ البَحْرَ وهو مثل ضَربْتُ زيداً. وقيل: ضرب هنا بمعنى جَعَل وشَرَع مثل قولهم: ضَرَبْتُ له بسهم. انتهى. فقوله على الظَّاهر، يعني أنه لولا التأويل لكان ظرفاً. قوله: " يَبَساً " صفة لـ " طريقاً " وصف به لِما يؤول إليه، لأنه لم يكن يَبَساً بعد إنَّما مرَّت عليه الصبا فجففته كما روي في التفسير. وقيل: في الأصل مصدر وصف به مبالغة، (أو على حذف مضاف أو جمع يابس كخادم وخَدَم، وصف به الواحد مبالغة) كقوله:
3679-......................................   ................وَمِعًى جِيَاعَا
أي: كجماعة جِياع، وصف به لفرط جوعه.

وقرأ الحسن: " يَبْساً " بالسكون، وهو مصدر أيضاً.

وقيل: المفتوح اسم، (والساكن مصدر). وقرأ أبو حَيْوة: " يَابِساً " اسم فاعل جعله بمعنى الطريق. ومن قرأ " يَبَساً " بتحريك الباء، فالمعنى: طريقاً ذا يبس. ومن قرأ بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس فالمعنى ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء، وذلك أن الله - تعالى - أيْبَسَ لهم الطريق في البحر.

قوله: " لاَ تَخَافُ " العامة على " لاَ تَخَافُ " مرفوعاً، وفيه أوجه:

أحدها: أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب.

الثاني: أنه في محل نصب على الحال من فاعل " اضْرِب " ، أي اضْرِب غير خائف.

والثالث: أنه صفة لـ " طريقاً " ، والعائد محذوف، أي: لاَ تَخافُ فيه وحمزة وحده من السبعة: " لاَ تَخَفْ " بالجزم، وفيه أوجه:

أحدها: أن يكون نهياً مستأنفاً.

الثاني: أنَّه نهيٌ أيضاً في محل نصب على الحال من فاعل " اضْرِب " ، أو صفة لـ " طَريقاً " كما تقدم في قراءة العامة إلا أن ذلك يحتاج إلى إضمار قول، أي مقولاً لك، أو طريقاً مقولاً فيها: لاَ تَخَفْ كقوله:

السابقالتالي
2 3 4