الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } * { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }

قوله: { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي لن نختارك على ما جاءنا من الدلالات. لمَّا هددهم فرعون أجابوه بما يدل على حصول اليقين التام والبصيرة الكاملة في أصول الدين، فقالوا: " لَنْ نُؤْثِرك " ، وهذا يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلاَّ فَعَل بهم وما وعدهم، (فأجابوه بقولهم): " لَنْ نُؤْثِرَكَ " ، وبيَّنوا العلة، وهي أنَّ الذي جاءهم ببيِّنات وأدلة، والذي يذكره فرعون محض الدنيا.

وقيل: كان استدلالهم أنهم قالوا: لو كان هذا سحراً فأين حبالُنا وعصيُّنا.

قوله: " والَّذِي فَطَرَنَا " فيه وجهان:

أحدهما: أن الواوَ عاطفة عطفت (هذا الموصول) على " مَا جَاءَنَا " أي: لن نؤثرك على الذي جاءَنا وَلاَ عَلَى الذي فطَرنَا، أي على طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته، وإنما أخروا ذكر الباري تعالى لأنَّه من باب الترقي من الأدْنَى إلى الأعلى.

والثاني: أنَّه واو قسم، والموصول مقسم به، وجواب القسم محذوف، أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك على الحق، ولا يجوز أن يكونَ الجواب " لَنْ نُؤْثِرَكَ " عند من يجوز تقديم الجواب، لأنه لا يجاب القسم بـ " لَنْ " إلا في شذوذ من الكلام.

قوله: { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } يجوز في " مَا " وجهان:

أظهرهما: أنها موصولة بمعنى الذي، و " أَنْتَ قَاضٍ " صلتها والعائد محذوف، أي قاضية، وجاز حذفه وإن كان مخفوضاً، لأنه منصوب المحل، أي فاقضِ الذي أنت قاضيه.

والثاني: أنها مصدرية ظرفية، والتقدير: فاقْضِ أمرَك مدة ما أنتَ قاضٍ.

ذكر ذلك أبو البقاء. ومنع بعضهم جعلَها مصدرية، قال: لأنَّ " مَا " المصدرية لا توصل بالجمل الاسمية. وهذا المنع ليس مجمعاً عليه بل جوَّز ذلك جماعة كثيرة، ونقل ابن مالك أن ذلك إذا دلَّت (ما) على الظرفية وأنشد:
3677- وَاصِلْ خَلِيلَكَ مَا التَّوَاصُلُ مُمْكِنٌ   فَلأَنْتَ أَوْ هُوَ عَنْ قَلِيلٍ ذَاهِبُ
ويقل إن كانت غيره ظرفية وأنشد:
3678- أَحْلاَمُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْلِ شَافِيَةٌ   كَمَا دِمَاؤُكُمُ تَشْفِي مَنَ الكَلَبِ
قوله: { إِنَّمَا تَقْضِي هَـذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } يجوز في " ما " هذه وجهان:

أحدهما: أن تكون المهيئة لدخول " إنْ " على الفعل، و " الحَيَاةَ الدُّنْيَا " ظرف لـ " تَقْضِي " ، ومفعوله محذوف، أي: يقضي غرضك وأمرك. ويجوز أن تكون الحياة مفعولاً به على الاتساع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به كقولك صُمْتُ يومَ الجمعة، وبدل لذلك قراءة أبي حَيْوة: " تُقْضَى هَذِهِ الحَيَاة " ببناء الفعل للمفعول، ورفع " الحَيَاةُ " لقيامها مقام الفاعل، وذلك أنه اتسع فيه فقام مقام الفاعل فرفع.

والثاني: أنْ تكون " مَا " مصدرية هي اسم " إنَّ " ، والخبر الظرف والتقدير: إنَّ قَضاءَك في هذه الحياة الدنيا، يعني: إن لَكَ الدنيا فقط، ولنا الآخرة.

السابقالتالي
2