الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ }

قوله: { قَالُواْ يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ } الآية: وهنا حذف والتقدير: فحضروا الموضع قالوا السحرة يا موسى.

قوله: { إِمَّا أَن تُلْقِيَ } فيه أوجه:

أحدها أنه منصوب بإضمار فعل تقديره: اختر أحد الأمرين. كذا قدره الزمخشري.

قال أبو حيان: هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وتفسير الإعراب إما أن تختار الإلقاء.

والثاني: أنه مرفوع على خبر ميتدأ محذوف تقديره: الأمر إما إلقاؤك أو إلقاؤنا. كذا قدره الزمخشري.

الثالث: أن يكون مبتدأ وخبره محذوف، تقديره: إلقاؤك أول، ويدل عليه قوله: { وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى } ، واختار أبو حيان، وقال: فتحسن المقابلة من حيث المعنى، وإن لم تحسن المقابلة من حيث التركيب اللفظي. قال: وفي تقدير الزمخشري الأمر إلقاؤك فيه. وتقدم نظير هذا في الأعراف.

فصل

معنى الكلام: إما أن تلقي ما معك قَبْلنا (وإما أنْ نلقي ما معنا قبلك) وهذا التخيير مع تقديمه في الذكر حسن أدب منهم وتواضع، فلا جرم رزقهم الله الإيمان ببركته، ثم إن موسى - عليه السلام - قابل أدبهم بأدب فقال: " بَلْ أَلْقُوا ".

فإن قيل: كيف يجوز أن يقول موسى " بَلْ أَلْقُوا " فيأمرهم بما هو سحر وكفر لأنهم إذا قصدوا بذلك تكذيب موسى - عليه السلام - كان كفراً؟

فالجواب من وجوه:

الأول: لا نسلم أن نفس الإلقاء كفر، لأنهم إذا ألقوا وكان غرضهم أن يظهروا، الفرق بين ذلك الإلقاء وبين معجزة موسى - عليه السلام - (كان ذلك الإلقاء إيماناً إنما الكفر هو القصد إلى تكذيب موسى - عليه السلام -، وهو عليه السلام) إنما أمر بالإلقاء لا بالقصد إلى التكذيب فزال السؤال.

والثاني: ذلك الأمر كان مشروطاً، والتقدير: ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين، كقوله تعالى:فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [البقرة: 23] (أي: إن كنتم قادرين).

الثالث: أنه لما تعيَّن ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار ذلك جائزاً، وهذا كالمحقق إذا علم في أن قلب واحد شبهة، وأنه لو لم يطالبه بذكرها وتقريرها بأقصى ما يقدر عليه لبقيت تلك الشبهة في قلبه ويخرج بسببها عن الدين، فإن للمحق أن يطالبه بتقريرها على أقصى الوجوه، ويكون غرضه من ذلك أن يجيب عنها، ويزيل أثرها عن قلبه، فمطالبته بذكر الشبهة لهذا الغرض جائز فكذا ههنا.

الرابع: أن لا يكون ذلك أمراً بل معناه: إنكم إن أردتم فعله فلا مانع منه حسًّا لكي ينكشف الحق.

الخامس: أن موسى - عليه السلام - لا شك أنه كان كارهاً لذلك ولا شك أنه نهاهم عن ذلك بقوله:وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } [طه: 61] وإن كان كذلك استحال أن يأمرهم بذلك، لأن الجمع بين كونه ناهياً آمراً بالفعل الواحد محال، فعلمنا أن أمره غير محمول على ظاهره، وحينئذ يزول الإشكال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7