الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

قوله: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ } وحده بعد مخاطبته لهما معاً إمَّا لأنَّ موسى هو الأصل في الرسالة وهارون تبع وردء ووزير وإما لأن فرعون كان لخبثه يعلم الرُّتَّة التي في لسان موسى، ويعلم فصاحة هارون بدليل قوله:وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } [القصص: 34] وقوله:وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52] فأراد استنطاقه دون أخيه.

وإما لأنه حذف المعطوف للعلم به أي: يا موسى وهارون قاله أبو البقاء وبدأ به. وقد يقال: حَسَّنَ الحذف كون موسى فاصلة، لا يقال: كان يغني في ذلك أن يقدم هارون ويؤخر موسى فيقال: يا هارون وموسى فتحصل مجانسة الفواصل من غير حذف، لأن نداء موسى أهم فهو المبدوء به. واعلم أن في الكلام حذف، لأنه لما قال { فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّكَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَآئِيلَ } إلى قوله: { أَنَّ ٱلعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } أمر من الله تعالى لموسى بأن يقول لفرعون ذلك الكلام والتقدير: فذَهَبا إلى فرعون فقالا له ذلك فقال مجيباً لهما من رَبُّكما؟

قوله: { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَه } في هذه الآية وجهان:

أحدهما: أن يكون " كُلَّ شَيْءٍ " مفعولاً أول و " خَلْقَهُ " مفعولاً ثانياً على معنى أعطى كل شيء شكله وصورتَه التي تطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الهيئة التي تطابق الاستماع وتوافقه، وكذلك اليد والرجل واللسان. قاله مجاهد. أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة حيث جعل الحصان والحَجْر زوجين، والناقة والبعير، والرجل والمرأة، ولم يزاوج شيئاً منها غير جنسه، ولا ما هو مخالف لخلقه.

(وقيل: المعنى أَعْطَى كلَّ شيءٍ مخلوقٍ خلقهُ، أي هو الذي ابتدعه).

وقيل: المعنى أعطى كُلَّ شيءٍ مما خلق خلقته وصورته على ما يناسبه من الإتقان، لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا بالعكس، بل خلق كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديراً.

الثاني: أن يكون " كُلَّ شَيْءٍ " مفعولاً ثانياً و " خَلْقَه " هو الأول فقدَّم الثاني عليه، والمعنى: أعطى خليقَتَه كلَّ شيء يحتاجُون إليه ويرتفقون به.

وقرأ عبد الله والحسن والأعمش وأبو نُهَيْك وابن أبي إسحاق ونصرٌ عن الكسائيِّ وجماعةٌ من أصحاب رسول الله " خَلَقَهُ " بفتح اللام فعلاً ماضياً، وهذه الجملة في هذه القراءة تحتمل أن تكون منصوبة المحلِّ لكلِّ أو في محل جرّ صفة لشيء. وهذا معنى قول الزمخشري: صفة المضاف يعني " كُلّ " (أو للمضاف إليه يعني " شَيْء " )، والمفعول الثاني على هذه القراءة محذوف، فيحتمل أن يكون حذفه حذف اختصار للدلالة عليه. أي: أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ويصلحه أو كماله، ويحتمل أن يكون حذفه حذف اقتصار)، والمعنى أنَّ كلَّ شيءٍ خلقه الله تعالى لم يُخْلِهِ من إنعامه وعطائه.

السابقالتالي
2 3 4