الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

قوله تعالى: { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } لما أظهر له الآيات عقبها بأَنْ أمره بالذهاب إلى فرعون، وبيَّن العلة في ذلك، وهو أنه طغى، وإنما خص فرعون بالذكر مع أنه بُعِثَ موسى إلى الكل لأنه ادعى الإلهية وتكبَّر، وكان متبوعاً فكان ذكره أولى. ومعنى " طَغَى " جاوز الحد في العصيان والتمرد، فبلِّغْهُ رسالتي وادْعُهُ إلى عبادتي وحذِّرْهُ نِقمتي.

قال موسى: { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } وسّعه للحقّ.

(قال ابن عباس): يريد حتى لا أخاف غيرك. والسبب في هذا السؤال ما حكى الله تعالى عنه في موضع آخروَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } [الشعراء: 13] وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفاً شديداً، لشدة شوكته وكثرة جنوده، وكان يضيق صدراً (بما كُلِّفَ) من مقاومة فرعون فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه حتى يعلم أن أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى، وإذا علم ذلك لم يَخَفْ فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده.

(قوله: " لي) صَدْرِي " متعلق بـ " اشْرَحْ " ، قال الزمخشري: فإن قلت: (لي) في قوله: { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي } ما جدواه والأمر مستتب بدونه. قلت: قد أبهم الكلام أولاً فقال: " اشْرَحْ لِي " " وَيَسِّرْ لِي " فعلم أن ثَمَّ مشروحاً وميسراً، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح لصدره، والتيسير لأمره.

ويقال: يَسَّرْتُهُ لكذا، ومنه " فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " ويسرت له كذا، ومنه هذه الآية.

قوله: { وَيَسِّرْ لِي أمْرِي } أي سَهِّل عليَّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. وذلك لأن كل ما يصدر من العبد من الأفعال، والأقوال والحركات، والسكنات فما لم يصر العبد مريداً له استحال أن يصير فاعلاً له، فهذه الإرادة صفة محدثة، ولا بد لها من فاعل، وفاعلها إن كان هو العبد افتقر في تحصيل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل بل لا بد من الانتهاء إلى إرادة يخلقها مدبر العالم ففي الحقيقة هو الميسر للأمور.

قوله: { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِسَانِي } ، وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره، فلطم فرعون لطمةً، وأخذ بلحيته، فقال فرعون لآسية امرأته: إن هذا عدوِّي وأراد أن يقتله، فقالت آسية: إنه صبي لا يَعْقِل ولا يميز جَرِّبْه إن شئت، فجاء بطشتين في أحدهما جمر، والآخر جوهر، فوضعهما بين يدي موسى، فأراد أن يأخذ الجوهر، فأخذ جبريل عليه السلام يد موسى فوضعها على النار، فأخذ جمرة فوضعها في فيه، فاحترق لسانه، (وصارت عليه عقدة).

وقيل: قرَّبا إليه ثمرةً وجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه.

[قالوا]: ولم تحترق اليد، لأنها آلة أخذ العصا.

السابقالتالي
2 3 4 5