الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } * { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ }

قوله تعالى: " وَأنَا اخْتَرْتُكَ " أي للرسالة والكلام.

قرأ حمزة " وَأنَّا اخْتَرْنَاكَ " بفتح الهمزة فضمير المتكلم المعظم نفسه.

وقرأ السلمي والأعمش وابن هرمز كذلك إلا أنهم كسروا الهمزة.

والباقون: " وَأنَا اخْتَرْتُكَ " بضمير المتكلم وحده. وقرىء " أَنِّي اخْتَرْتُكَ " بفتح الهمزة.

فأما قراءة حمزة فعطف على قوله { أَنِّي أَنَا رَبُّكَ } وذلك أنه يفتح الهمزة هناك ففعل ذلك لما عطف غيرها عليها. وجوز أبو البقاء أن يكون الفتح على تقدير: وَلأنّا اخْتَرْنَاكَ فَاسْتَمِعْ، فعلقه باسْتَمِعْ. والأول أولى.

ومن كسرها فلأنه يقرأ { إنِّي أَنَا رَبُّكَ } بالكسر. وقراءة أُبي كقراءة حمزة بالنسبة للعطف. ومفعول " اخْتَرْتُكَ " الثاني محذوف، أي اخترتك من قومك.

قوله: " لِمَا يُوحَى " الظاهر تعلقه بـ " اسْتَمِع " ويجوز أن تكونَ اللام مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى " رَدِفَ لَكُمْ " وجوز الزمخشري وغيره أن تكون المسألة من باب التنازع بين " اخْتَرْتُكَ " وبين " اسْتَمِعْ " كأنه قيل: " اخْتَرْتُكَ لِمَا يُوحَى فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ". قال الزمخشري: فعلق اللام باسْتَمِعْ أو باخْتَرْتُكَ وقد رد أبو حيان هذا بأن قال: ولا يجوز التعليق باخْتَرْتُكَ لأنه من باب الإعمال فكان يجب أو يختار إعادة الضمير مع الثاني، فكان يكون: فاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى، فدل على أنه من باب إعمال الثاني.

قال شهاب الدين: والزمخشري عنى التعليق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يَعْنِهِ.

(و " ما " ) يجوز أن تكون مصدرية وبمعنى الذي، أي فاسْتَمِعْ للوحي أو للذي يوحى).

فصل

هذه الآية تدل على النبوة لا تحصل بالاستحقاق، لأن قوله: " وَأَنَا اخْتَرْتُكَ " يدل على أن ذلك المنصب العالي إنما حَصَل لأنه تعالى اختاره له ابتداء لا أنه يستحقه على الله تعالى.

وقوله: { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } أي: إليك فيه نهاية الهيبة والجلالة كأنه قال: لَقَدْ جَاءَك أمْرٌ عظيمُ فتأهَّبْ له، واجعَلْ كلَّ عقلك وخاطرِك مصروفاً إليه.

ثم قال: { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي } ولا تعبد غيري، وهذا يدل على أن علم الأصول مقدم على علم الفروع: لأن التوحيد من علم الأصول والعبادة من علم الفروع.

وأيضاً فالفاء في قوله: " فَاعْبُدْنِي " تدل على أن عبادته إنما لزمت لإلهِيَّتِهِ.

فصل

احتجُّوا بهذه الآية على أنه يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة من وجهين:

الأول: أنه تعالى بعد أن أمره بالتوحيد أمره بالعبادة، ولم يذكر كيفية العبادة فثبت أنه يجوز ورود المجمل منفكاً عن البيان.

الثاني: أنه قال: " أَقِم الصَّلاَةَ لِذِكْرِي " ولم يبين كيفية الصلاة.

السابقالتالي
2 3 4