الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }

قوله: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } قيل: المراد منه نظر العين، وهؤلاء قالوا: مَدُّ النظر تطويله، وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور وإعجاباً به، كما فعل نظارة قارون حيث قالوا:يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [القصص: 79] حتى واجههم أولو العِلْم والإيمان فقالوا:وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [القصص: 80] وفيه أن النظر غير الممدود يعفى عنه كنظر الإنسان إلى الشيء مرةً ثم يغض. ولما كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطبائع قيل: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي: لا تفعل ما أنت معتاد له. ولقد شدد المتقون في وجوب غضِّ البصر عن أبنية الظلمة، ولباس الفسقة، ومراكبهم وغير ذلك، لأنهم اتَّخذُوا هذه الأشياء لعيون النظارة، فالناظر إليها محصل لغرضهم، وكالمغرى لهم على اتخاذها. قال أبو مسلم: ليس المنهي عنه هنا هو النظر بل هو الأسف، أي لا تأسف على ما فاتك مما نالوه من حظ الدنيا.

" قال أبو رافع: نزل ضيفٌ بالرسول - عليه السلام - فبعثني إلى يهوديٍّ، فقال قل له: إن رسول الله يقول: بعني كذا وكذا من الدقيق، وأسلفني إلى هلال رجب، فأتيته، فقلت له ذلك، فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه بقوله فقال: والله لَئِنْ باعَنِي و أسلَفَنِي لقضيتُهُ، وَإنِّي لأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ وَءَامِينٌ فِي الأَرْضِ اذْهَبْ بِدِرْعِي الحديد إليه فنزلت هذه الآية " وقال عليه السلام: " إنَّ الله لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلاَ إلَى أَمْوَالِكُمْ ولكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وَأعْمَالِكُمْ ".

وقال أبو الدرداء: الدنيا دارُ مَنْ لا دارَ له، ومالُ مَنْ لا مالَ له، ولها يجمع من لا عقلَ له. وعن الحسن: لَوْلاَ حمقُ الناس لخربت الدُّنيا.

وعن عيسى ابن مريم - عليه السلام - لا تَتَّخِذُوا الدنيا داراً فتتخذكم لها عبيداً. وعن عروة بن الزبير كان إذَا رَأى ما عِنْدَ السلطان يتلو هذه الآية، وقال: الصلاة يرحمكم الله قوله: " أزواجاً " في نصبه وجهان: أحدهما: أنَّه منصوبٌ على المفعول به. والثاني: أنَّه منصوب على الحال من الهاء في " بِهِ ".

راعى لفظ " مَا " مرة فأفرد، ومعناها أخرى فلذلك جمع.

قال الزمخشري: ويكون الفعل واقعاً على " مِنْهُم " كأنه قال: إلى الذين متَّعْنا به وهو أصناف منهم. قال ابن عباس: أناساً منهم. قال الكلبي والزجاج: رجالاً منهم. قوله: " زَهْرَة " في نصبه تسعة أوجه:

أحدها: أنَّه مفعول ثانٍ، لأنه ضَمَّن " مَتَّعْنَا " معنى أعطينا، فـ " أزْوَاجاً " مفعول أول، و " زَهْرَةَ " هو الثاني.

السابقالتالي
2 3