الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }

قوله: { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } في فاعل (يَهْدِ) أوجه:

أحدها: أنه ضمير الباري تعالى، ومعنى (يَهْدِي) يُبَيِّن، ومفعول (يَهْدِي) محذوف تقدره: أفلم يُبَيِّن اللهُ لهم العبرَ وفعله بالأمم المكذبة.

قال أبو البقاء: وفي فاعله وجهان:

أحدهما: ضمير اسم الله تعالى وعلَّق (بَيَّن) هنا، إذا كانت بمعنى أعلم كما علقه في قوله تعالىوَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ } [إبراهيم: 45].

قال أبو حيَّان: و " كَمْ " هنا خبرية، والخبرية لا تعلِّق العامل (عنها).

وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون فيه ضمير الله، أو الرسول، ويدل عليه القراءة بالنون.

الوجهُ الثاني: أنَّ الفاعل مضمر يفسره ما دلَّ عليه من الكلام بعده، قال الحوفي: " كَمْ أَهْلَكْنَا " قد دَلَّ على هلاك القرون التقدير: أَفَلَمْ نُبَيِّن لَهُمْ هَلاَكَ من أهلكنا من القرون ومَحْونا آثارَهم فيتعِظُوا بذَلِك.

وقال أبو البقاء: الفاعل ما دَلَّ عليه " أهْلَكْنا " أي إهْلاَكنا والجملة مفسرة له.

الوجه الثالث: أنَّ الفاعل نفس الجملة بعده.

قال الزمخشري: فاعل " لَمْ يَهْدِ " الجملة بعد يريد: أَلَمْ يَهْدِ لَهُم هذا بمعناه ومضمونه، ونظيره قوله:وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 78، 79] أي: تركنا عليه هذا الكلام.

قال أبو حيَّان: وكونُ الجملة فاعل " يَهْدِ " هو مذهب كوفيّ، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله:وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } [الصافات: 78، 79] فإن " تَرَكْنَا " معناه هذا القول فحكيتْ به الجملة، فكأنه قيل: وقُلْنَا عليه، وأطلقنا عليه هذا اللفظ، (والجملة تُحكَى بمعنى القول كما تُحْكَى بالقول).

الوجه الرابع: أنه ضمير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو المبيِّن لهم بما يوحى إليه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية، وهذا الوجه تقدم نقلُه عن الزمخشري.

الوجه الخامس: أنَّ الفاعلَ محذوف، نقل ابن عطية عن بعضهم: أنَّ الفاعل مقدر تقديره: الهُدَى أو الأمرُ أو النَّظَرُ والاعتبارُ.

قال ابن عطيَّة: وهذا عندي أحسن التقادير.

قال أبو حيان: وهو قول المبرِّد، وليس بجيد إذ فيه حذف الفاعل، وهو لا يجوز عند البصريين، وتحسينه أن يقال: الفاعل مضمرٌ تقديره: يَهْدِ هُوَ أي: الهُدَى قال شهاب الدين: ليسَ في هذا القول أن الفاعل محذوف بل فيه أنه مقدر، ولفظ مقدَّر كثيراً ما يستعمل في المضمر. وأما مفعول " يَهْدِ " ففيه وجهان:

أحدهما: أنه محذوف.

والثاني: أن يكون الجملة من " كَمْ " وما في خبرها، لأنها معلقة له، فهي سادة مسدّ مفعوله.

الوجه السادس: أن الفاعل " كَمْ " - قاله الحوفي، وأنكره على قائله لأن " كَمْ " استفهام لا يعمل فيها ما قبلها.

قال أبو حيَّان: وليست " كَمْ " هنا استفهامية بل هي خبرية.

السابقالتالي
2 3 4