الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } * { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ }

قوله: { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } هنا سؤال وهو أن قوله: " اهْبِطَا " إما أن يكون خطاباً مع شخصين أو أكثر، فإن كان خطاباً مع شخصين فكيف قال بعده: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم " وهو خطاب الجمع؟ وإن كان خطاباً مع شخصين فكيف قال: " اهْبِطَا "؟ وأجاب أبو مسلم: بأن الخطاب لآدم ومعه ذريته، ولإبليس ومعه ذريته، ولكونهما جنسين صح قوله: " اهْبِطَا " ولأجل اشتمال كل من الجنسين على الكثرة صح قوله: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم ".

وقال الزمخشري: لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصل البشر اللذين منهما تفرعوا كأنهما البشر أنفسُهُما، فخوطِبَا مخاطبتهم، فقيل: " فَإِمَّا يَأْتينكم " على لفظ الجماعة.

ومن قال: بأنَّ أقَلَّ الجمع اثنان، أو بأنه يعبر عن الاثنين بلفظ الجمع، كقوله:فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [التحريم: 4] فلا يحتاج إلى التأويل.

قوله: { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } تقدم تفسيره.

{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبعَ هُدَايَ } وهذا يدل على أن المراد الذرية والمراد بالهدى الرسل، وقيل: الآيات والأدلة، وقيل: القرآن.

" فَلاَ يَضِلُّ " في الدُّنيا، " وَلاَ يَشْقَى " في الآخرة، لأنه تعالى يهديه إلى الجنة.

وقيل: لا يَضِلُّ ولا يَشْقَى في الدُّنْيَا. فإن قيل: المتبع لهدى الله قَدْ يَشْقَى في الدنيا.

فالجواب: أن المراد لا يضل في الدين، ولا يشقى بسبب الدين، فإن حصل بسبب آخر فلا بأس. ولما وعد الله تعالى من يتبع الهُدَى أتْبَعه بالوعيد لمن أعرض فقال: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم.

قوله: " ضَنْكاً " صفة لمعيشة، وأصله المصدر، فكأنه قال: معيشة ذات ضنك، فلذلك لم يؤنث ويقع للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد. وقرأ الجمهور " ضَنْكاً " بالتنوين وصلاً وإبداله ألفاًَ وقفاً كسائر المعربات.

وقرأت فرقة " ضنكى " بألف كسكرى. وفي هذه الألف احتمالان:

أحدهما: أنها بدل من التنوين، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف كما تقدم في نظائره، وسياتي منها بقية إن شاء الله تعالى.

والثاني: أن تكون ألف التأنيث، بُنِي المصدر على (فَعْلَى) نحو دَعْوَى. والضنك الضيق والشدة، يقال منه: ضَنُكَ عيشُه يَضْنَكُ ضَنَاكَةً وَضَنْكاً، وامرأة ضنَاكٌ كثير لحم البدن، كأنهم تخيلوا ضيق جلدها به.

فصل

قال جماعة من المفسرين: الكافر بالله يكون حريصاً على الدنيا طالباً للزيادة أبداً فعيشه ضَنْكٌ، وأيضاً فمن الظلمة مَنْ ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفره قال تعالى:وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } [البقرة: 61] وقال:وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة: 66]، وقال:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }

السابقالتالي
2