الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }

قوله: " فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ " أي: أنهى إليه الوسوسة، وأمَّا وَسوَسَ له فمعناه: لأجله قال الزمخشري: فإن قلت: كيف عدّى وَسْوَسَ باللام في قوله:فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ } [الأعراف: 20] وأخرى بإلى؟ قلت: وَسْوَسَةُ الشيطان كَوَلْوَلَةِ الثكلى ووَقْوَقَة الدجاجة في أنها حكايات الأصوات، فحكمُها حكمُ صوت أو جرس، ومنه: وسوسة المُبْرسَم وهو مُوَسْوس بالكسر، والفتح لحسن، وأنشد ابن الأعرابي:
3699- وَسْوَسَ يدعُو مُخْلصاً رَبَّ الفَلَقْ   
فإذا قلت: وسوس له فمعناه لأجله كقوله:
3700- أجْرِسْ لَهَا يَا ابْنَ أبِي كِبَاشِ   
ومعنى وسوس إليه أنهى الوسوسة كقوله: حدث إليه.

وقال أبو البقاء: عُدّي " وَسْوَسَ " بـ " إلى " لأنه بمعنى أسرَّ، وعداه في موضع آخر باللام، لكونه بمعنى ذَكَرَ له، أو تكون بمعنى لأجله.

قوله: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } يعني على شجرة إن أكلتَ منها بَقيتَ مخلداً، { وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَىٰ } أي مَنْ أكل من هذه الشجرة دام ملكه. قال ابن الخطيب: واقعة آدم عجيبة، وذلك لأن الله تعالى رغَّبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله:فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [طه: 117-119] ورغَّبه إبليس أيضاً في دوام الراحة بقوله: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } وفي انتظام المعيشة بقوله: { وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَىٰ } فكان الشيء الذي رغَّب (الله تعالى آدم) فيه هو الذي رغبه إبليس فيه إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة، وإبليس وقعه على الإقدام عليها، ثم إن آدم - عليه السلام - مع كمال عقله وعلمه (بأن الله تعالى مولاه وناصره ومربيه، وأعلمه) بأن عدوه حيث امتنع من السجود له، وعرض نفسه للعنة بسبب عداوته، كيف قبل في الواقعة الواحدة والمقصود الواحد قول إبليس مع علمه بعداوته له، وأعرض عن قول الله تعالى مع علمه بأنه هو الناصر والمولى. ومن تأمل هذا الباب طال تعجبه، وعرف آخر الأمر أنّ هذه القصة كالتنبيه على أنه لا دافع لقضاء الله، ولا مانع منه، وأن الدليل وإن كان في غاية الظهور ونهاية القوة فإنه لا يحصل النفع به إلا إذا قضى الله ذلك وقدره.

روى البخاريُّ ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " احتجَّ آدمُ وموسى عند ربهما، فحَجَّ آدمُ موسى، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض، فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجياً وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق، قال موسى: بأربعين عاماً، قال آدم: فهل وجدت فيها { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }؟ قال نعم، قال أفتلومني على أن عملت عملاً كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحَجَّ آدمُ مُوسَى ".


السابقالتالي
2 3 4