الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

قوله: " وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ " نسق على " كَذَلِكَ نَقُصُّ " قال الزمخشري: ومثل ذلك الإنزال وكما أَنْزَلْنَا عليك هؤلاء الآيات أنزلنا القرآن كلَّه على هذه الوتيرة.

وقال غيره: والمَعْنَى كما قدَّرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد كذلك حذَّرْنَا هؤلاء أمرها، و { أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } لتفهمه العرب فيقفوا على إعجازه ونظمه، وخروفه عن الكلام البشري.

{ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } أي: كرَّرنَاهُ وفصَّلنَاهُ.

قوله: " مِنَ الوَعِيدِ " صفة لمَفْعُولٍ محذوف، أي: صرَّفنا في القرآن وعيداً من الوعيد، والمراد به الجنس.

ويجوز أن تكون " مِنَ " مزيدة على رأي الأخفش في المفعول به، والتقدير: وصرَّفنا فيه الوعيد " لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون " أي يجتنبون الشرك. { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } أي: يجدد لهم القرآن عبرة وعظة.

وقرأ الحسن: " أَوْ يُحْدِثْ " كالجماعة إلا أنه سكَّن لام الفعل وعبد الله والحسن أيضاً في رواية ومجاهد وأبو حيوة " نْحْدِثْ " بالنون، وتسكين اللام أيضاً.

(وخُرِّجَ علَى) إجراء الوصل مجرى الوقف، أو على تسكين الفعل استثقالاً للحركة، كقول امرىء القيس:
3695- فَاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ   
وقول جرير:
3696- أَوْ نَهْرُ تِيرَى فَلاَ تَعْرِفْكُمُ العَربُ   
وقد فعله كما تقدم أبو عمر في الراء خاصة نحو " يَنْصُرْكُم ".

وقرىء: " تُحْدث " بتاء (الخطاب) أي: تُحدث أنتَ.

(قوله: " أَوْ يُحْدِثُ " ) فيه سؤالات:

الأول: كيف يكون محدثاً للذكر؟ والجواب: لمّا حصل الذكر عند قراءته أضيفَ إليه.

الثاني: لِمَ أضيفَ الذكر إلى القرآن، وما أضيفت التقوى إليه؟

والجواب: أنَّ التقوى عبارة عن أن لا يفعل القبيح، وذلك استمرار على العدم الأصلي، فلم يجز إسناده إلى القرآن، وأمَّا حدوث الذكر فأمر حدث بعد أن لم يكن، فجازت إضافته إلى القرآن.

الثالث: كلمة " أو " للمنافاة بين التقوى وحدوث الذكر، ولا يصح الاتقاء إلا مع الذكر، فما معناه؟

والجواب: هذا كقول: جَالِس الحسن أو ابنَ سِيرين، أي: (لا تكن خالياً منهما)، فكذا ههنا.

وقيل: معنى الكلام أنا أنزلنا القرآن ليتَّقوا، فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكراً وشرفاً وصيتاً حسناً، وعلى التقديرين يكون إنزاله تقوى.

قوله تعالى: { فَتَعَالَى اللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } لما عظم أمر القرآن أردفه بأن عظم نفسه، وذلك تنبيه على أنَّه يجب على خلقه تعظيمه، وإنما وصف مُلكَه بالحَقِّ، لأن ملكه لا يزول ولا يتغير، وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به، ولهذا وصف بذلك. و " تَعَالَى " تفاعل من العُلُوّ، وقد ثبت أن علوه وعظمته لا تكيّفه الأوهام ولا تقدره العقول.

ثم قال: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ }.

السابقالتالي
2