الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } الآية، (لما وَصَفَ لهم يومَ القيامة) حكى سؤال من لا يؤمن بالحشر. قال ابن عباس: سأل رجلٌ من ثقيف رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيفَ تكون الجبالُ يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية. وقال الضحاك: نزلت في مشركي مكة، قالوا يا محمد كيف تكون الجبالُ يوم القيامة؟ على سبيل الاستهزاء.

{ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } وأجاب بفاء التعقيب، لأن مقصودَهم من هذا السؤال الطعنُ في الحشر والنشر، فلا جرم أمره بالجواب مقروناً بحرف التعقيب، لأن تأخير البيان في مثل هذه المسألة الأصولية غير جائز، وأما المسائل الفروعية فجائز فلذلك ذكر هناك بغير حرف التعقيب. والضمير في " يَنْسِفُهَا " عائد إلى الجبال، والنسف التذريَة. وقيل: القَلْع الذي يقلعها من أصلها ويجعلها هباءً منثوراً.

قال الخليل: " يَنْسِفُهَا " يُذْهِبُها ويطيِّرُهَا.

قوله: " فَيَذَرُها " في هذا الضمير وجهان:

أحدهما: أنه ضمير الأرض، أضمرت للدلالة عليها كقوله:مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } [فاطر: 45].

والثاني: ضمير الجبال، وذلك على حذف مضاف أي فيذر مراكزها ومقارها و " يَذَرُ " يجوز أن يكون بمعنى يُخْلِها، فيكون " قَاعاً " حالاً، وأن يكون بمعنى يترك التصييرية فيتعدى لاثنين فـ " قَاعاً " ثانيهما.

وفي القاع أقوال: فقيل: هو منتقع الماء ولا يليق معناه هنا.

وقيل: إنه المنكشف من الأرض قاله مكي.

وقيل: إنه المكان المستوي، ومنه قوله ضرار بن الخطاب:
3690- لَتَكُونَنَّ بَالبِطَاحِ قُرَيْشٌ   بُقْعَة القَاعِ فِي أَكُفِّ الإِمَاءِ
وقيل: إنه الأرض التي لا نبات فيها ولا بناء.

والصَّفْصَفُ: الأرض الملساء، وقيل: المستوية، فهما قريبان من المترادف وجمع القاع أقْوُعٌ وأقْوَاعٌ وقِيعَانٌ.

قوله: { لاَ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً } يجوز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً من الجبال، ويجوز أن تكون صفة للحال المتقدمة وهي " قَاعاً " على أحد التأويلين، أو صفة للمفعول الثاني على التأويل الآخر.

وتقدم الكلام على العِوَج. وقال الزمخشري هنا: فإن قلت: قد فرَّقوا بين العَوَج والعِوَج، قالوا: العوج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأعيان، والأرض عَيْن، فكيف صح فيها كسر العين. قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة، ونفي الإعوجاج عنها على أبلغ ما يكون وذلك أنه لو عَمَدت إلى قطعةِ أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينيك وعيون البصراء، واتفقتم على أنَّه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله تعالى ذلك العوج الذي دقَّ وَلطُفَ عن الإدراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير الهندسي، وذلك الاعوجاجُ لمَّا لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس أُلحق بالمعاني، فقيل فيه عِوَجٌ بالكسر.

السابقالتالي
2 3 4